للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقدمة الثامنة:

ما تركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته من العبادات مع وجود

المقتضي وانتفاء المانع فهو سنة تركية ففعله بدعةٌ منكرة

هذه مقدمة مهمةٌ، وبضبطها تنجلي كثيرٌ من البدع، فإن ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للعمل مع إمكان فعله - وهو الحريص كل الحرص على طاعة ربه وأخشى خلق الله وأتقاهم له - والمانع منتفٍ؛ حجةٌ كفعله للعبادة، فإن فعله -صلى الله عليه وسلم- سنةٌ وتركه -صلى الله عليه وسلم- سنةٌ، لكن لا يصح الاستدلال بالسنة التركية إلا عند توفُّر الدواعي للنقل ثم لا يُنقَل، وأقوى ما يتصور هذا فيما إذا نقل جزء العبادة دون جزئها الآخر، كما أشار لهذا شيخ الإسلام ابن تيمية (١) على أن الأصل في العبادات أنها مما تتوافر الدواعي على نقلها، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل بيّن وبرهان واضح، فصلاة الرغائب والألفية لم يثبت فيها حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ففعلها مع ترك رسول الله وصحابته لها مع إمكان فعلهم لها، ولا مانع يمنع؛ هو من جملة البدع، إذ لو كان خيرًا لسبقونا إليه.

أما ما ترَكَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوجود مانعٍ فليس داخلًا في البدع، وذلك كاستخدام مكبّرات الصّوت في الأذان، فلو فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَنُقِل، لكن لا يصح وصفه بالبدعة، لأنّه وجد مانع من فعله؛ وهو عدم وجوده في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكصلاة القيام جماعةً في رمضان، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تركه خشية أن يُفترض، فلما زال المانع بموته - إذ الوحي انقطع فما لم يكن مفروضًا فلن يفرض -؛ أمر الفاروق عمر بن الخطاب بفعلها كما ثبت في صحيح البخاري.


(١) رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص ٥٢) وما بعدها.

<<  <   >  >>