الوجه الأول: أن الذي يريد الوصول إليه من هذا الأثر هو أن الأصل في العبادات عدم التوقيف على الإطلاق، وهذا مخالف للأدلة والآثار والإجماع
- كما تقدم -، فإذا بطل اللازم بطل الملزوم.
الوجه الثاني: لا دليل على أن خبيب بن عدي يستحب الصلاة عند القتل، وليست صلاته عند القتل دليلًا على هذا، وإنما غاية ما في الأمر أنه فعل ما هو مشروعٌ على وجه الإطلاق، ومشروعٌ في الجملة، وهو الصلاة، لما أرادوا قتله أراد أن يختم حياته بعبادة مشروعة في الجملة.
فإن قيل: يحتمل أنه استحب الصلاة عند القتل لذاته.
فيقال - تنزلًا -: إن فعله محتمل لاستحباب الصلاة عند القتل لذاته، ومحتمل أنه صلى لأن الصلاة مشروعة على وجه العموم، والاحتمال الثاني متعين لقاعدة: أن الأصل في العبادات الحظر والمنع.
فإن قيل: قال أبو هريرة: «وكان خبيب هو سنَّ لكل مسلم قُتل صبرًا الصلاة»، فهذا يبين أنه فعله على وجه التقييد، وأنه جعل القتل صبرًا سببًا في ذاته للصلاة.
فيقال: لا تلازم، وذلك أنه قد يكون سببُ تشريع الشريعة استحباب الصلاة عند القتل؛ فعلَ خبيب للصلاة على وجه الإطلاق، ثم قيدته الشريعة عند هذا السبب وهو القتل صبرًا، وهذا ليس ممتنعًا شرعًا.
قال ابن الملقن: «قول أبي هريرة -رضي الله عنه-: (فكان خبيب هو سنَّ لكل مسلم قتل صبرًا الصلاة) فهو ظاهر في رفعه، مثل قوله: فصارت سنة، وقد سلف فعله عن غيره أيضًا، وكذا فعل زيد بن حارثة، قال السهيلي: هذا يدل أنها سنة جارية، وكذا فعل حجر بن عدي بن الأدبر حين قتله معاوية، وفيما يأتي سنة