الحديث على هذا؟ أم أنهم تركوا هذا الفهم لعلمهم أنه خطأ لا يلتفت إليه؟! لاشك أنهم تركوه لعلمهم أنه فهم ساقط.
وهذا كاف في عدم صحة الاستدلال به.
الوجه الثالث: أن الأدلة والآثار والإجماع واضحة في أن العبادات على التوقيف والحظر، فلا تترك لهذه الأدلة المحتملة، فإن المحتمل يرد إلى المحكم المجمع عليه.
الوجه الرابع: أنه بمراجعة أقوال أهل العلم فإن القول باستحباب هذا الذكر بعد الرفع من الركوع ليس مشهورًا عند العلماء، بل منهم من أبطل الصلاة به، ومنهم من رآه من السهو الذي ينجبر بسجود.
قال التنوخي: «في كتاب مسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول إذا رفع رأسه من الركوع يقول:(سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، وما وقع لمالك من كراهية أن يقول المصلي:(حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه)، فإنما كرهه لئلا يعتقد أنه من فروض الصلاة أو من فضائلها، وما ورد لابن شعبان من أن قائل ذلك تبطل صلاته لا معنى له، لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من الثناء، على قائل ذلك» (١).
قال زروق: «قال ابن رشد في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول إذا رفع رأسه من الركوع (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه … ) الحديث، وكره مالك ذلك لئلا يعتقد أنه من فرائض الصلاة أو
(١) التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات (١/ ٤١٣).