للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحافظ العلائي: «والرَّد هنا باتفاق أئمة اللغة والحديث بمعنى (المردود)» (١).

وجه الدلالة: قوله (أمرنا) أي ديننا. فعلى هذا خرجت البدع الدنيوية من أصل الحظر والمنع، فلا يمنع شيءٌ منها إلا بدليلٍ، فلا يصح لأحدٍ أن يمنع السيارات الحديثة والطائرات ونحوهما بحجة أنهما غير موجودين في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأن هذه أمورٌ دنيوية لا أمورٌ دينية.

وقد قرر هذا العلماء، قال ابن جرير في تفسيره لقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ .. }: «يقول تعالى ذكره: أم لهؤلاء المشركين بالله شُرَكاءُ في شِركهم وضلالتهم «شَرعُوا لهم من الدِّين مالم يأذن به الله» يقول: ابتدعوا لهم من الدِّين ما لم يُبح الله لهم ابتداعَه».

وتقدم ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن فقهاء أهل الحديث، كأحمد وغيره.

ولما ألف الطرطوشي وأبو شامة كتابيهما في البدع بينا أن المرادَ بالبدع الإحداثُ في الدين.

قال الطرطوشي المالكي: «وقسم يظنه معظمهم - إلا من عصم الله - عباداتٍ، وقربات، وطاعات، وسننًا.

فأما القسم الأول، فلم نتعرض لذكره؛ إذ كُفينا مؤنة الكلام فيه؛ لاعتراف فاعله أنه ليس من الدين» (٢).

فبين بهذا أن كتابه المؤلف في البدع إنما هو فيما يتعلق بالإحداث في الدين.

وقال أبو شامة الشافعي: «فوصف ذلك عبد الله - أي ابن مسعود - بأنه بدعة لما كان موهمًا أنه من الدين، لأنه قد ثبت أن التجرد مشروع في الإحرام بنسك الحج والعمرة» (٣).

وقال: «فأمَّا القسم الأول فلا نطيل بذكره إذ قد كفينا مؤنة الكلام فيه لاعتراف فاعله انه ليس من الدين» (٤).


(١) تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد (ص: ١١١).
(٢) الحوادث والبدع (ص: ٢١).
(٣) الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص: ٢١).
(٤) المرجع السابق (ص: ٢٥).

<<  <   >  >>