إن البحث عن القاعدة بهذا اللفظ والمعنى لا يوجد؛ لأنه من خيالات الكاتب الذي ألصقه بمن سماهم مضيقين - وتقدم بيان خطئه -، أما لو بحث عنها بمعنى آخر وهو أن ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة لعبادةٍ مع وجود المقتضي وانتفاء المانع؛ دليل على وجوب الترك، لوجده كثيرًا في كلام أهل العلم، وقد تقدم في المقدمة الثامنة نقل كلام أهل العلم عن حجية السنة التركية، وللشاطبي كلام قوي على دعواه هذه فقال: «ثم إطلاقه القول بأن الترك لا يوجب حكمًا في المتروك إلا جواز الترك، غير جار على أصول الشرع الثابتة، فلنقرر هنا أصلًا لهذه المسألة لعل الله ينفع به من أنصف من نفسه:
وذلك أن سكوت الشارع عن الحكم في مسألة ما، أو تركه لأمر ما على ضربين:
أحدهما: أن يسكت عنه أو يتركه لأنه لا داعية له تقتضيه، ولا موجب يقرر لأجله، ولا وقع سبب تقريره؛ كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها، وإنما حدثت بعد ذلك، فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدين - ثم قال -:
والضرب الثاني: أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص، أو يترك أمرًا ما من الأمور، وموجبه المقتضي له قائم، وسببه في زمان الوحي وفيما بعده موجود ثابت، إلا أنه لم يحدد فيه أمر زائد على ما كان في ذلك الوقت، فالسكوت في هذا الضرب كالنص على أن القصد الشرعي فيه أن لا يزاد فيه على ما كان من الحكم العام في أمثاله، ولا ينقص منه؛ لأنه لما كان المعنى الموجب لشرعية الحكم العملي الخاص موجودًا، ثم لم يشرع، ولا نبه على استنباطه؛ كان صريحًا في أن الزائد على