للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن أهل العلم إذا قالوا: إن هذا الفعل بدعة، فإنه لا يلزم منه تبديع فاعلها، ففرق بين الحكم على النوع والعين، فليس كل من وقع في بدعة صار مبتدعًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية أنه: «ليس كل من اجتهد واستدل يتمكن من معرفة الحق، ولا يستحق الوعيد إلا من ترك مأمورًا، أو فعل محظورًا، وهذا هو قول الفقهاء والأئمة، وهو القول المعروف عن سلف الأمة وقول جمهور المسلمين» (١).

وقال: «فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والإيمان مثلًا، أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها، أو لاتباع هواه بغير هدى من الله؛ فهو الظالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد؛ بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطنًا وظاهرًا، الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله؛ فهذا مغفور له خطؤه، كما قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}] البقرة: ٢٨٥ [إلى قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}] البقرة: ٢٨٦ [، وقد ثبت في صحيح مسلم: «أن الله قال: قد فعلت» (٢) وكذلك ثبت فيه من حديث ابن عباس «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقرأ بحرف من هاتين الآيتين ومن سورة الفاتحة إلا أُعطي ذلك» (٣)، فهذا يبين استجابة هذا الدعاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين، وأن الله لا يؤاخذهم إن نسوا أو أخطئوا» (٤).


(١) مجموع الفتاوى (١٩/ ٢١٣).
(٢) رقم (١٢٦).
(٣) صحيح مسلم رقم (٨٠٦).
(٤) مجموع الفتاوى (٣/ ٣١٧).

<<  <   >  >>