والحاصل أن كل ما أحدث ينظر في سببه؛ فإن كان لداعي الحاجة بعد أن لم يكن - كنظم الدلائل لرد الشبه التي لم تكن في عصر الصحابة، أو كان وقد ترك لعارض زال بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- كجمع القرآن؛ فإن المانع منه كون الوحي لا يزال ينزل فيغير الله ما يشاء وقد زال - كان حسنًا، وإلا فإحداثه بمحض العبادات البدنية القولية والفعلية تغيير لدين الله تعالى، مثلًا الأذان في الجمعة سنة، وقبل صلاة العيد بدعة، ومع ذلك فإنه يدخل في عموم قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}] الأحزاب: ٤١ [. وقوله تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ}] فصلت: ٣٣ [. فيقول قائل: هذا زيادة عمل صالح لا يضر، لأنه يقال له: هكذا تتغير شرائع الرسل».
ثم قال: «وقد علمت من نصوص علماء المذاهب الأربعة أن ما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة، وعلمت أن لا معنى للابتداع في العبادات المحضة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفارق الدنيا إلا بعد أن أكمل الله الدين، وأتم نعمته على المسلمين، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}] المائدة: ٣ [وروى الطبراني (١) بسند صحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:«ما تركت شيئًا يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به، وما تركت شيئًا يبعدكم من الله تعالى إلا وقد نهيتكم عنه»، وعلمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول بفعله وتركه؛ هو من اتباع
(١) وجدت قريبًا منه عند ابن أبي شيبة (٧/ ٧٩) ولفظه: «عن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيها الناس، إنه ليس من شيء يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار ويبعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه».