والذي دعا الكاتبَ لهذا أنه يرى أن العبادات المستجدة تثبت إذا انسجمت مع قواعد الشريعة؛ الاجتهاد والقياس، لذا قال: بل لكل محدثة حكمها الذي ينسجم مع مقاصد الشريعة ونصوصها العامة وقواعدها الكلية، وقال:«ما يمكن إلحاقه بالمشروع عن طريق الاجتهاد والقياس».
ولو تفهم، لعلم أن هذه المستجدات التي جاز التعبد بها كانت بسبب دلالة القواعد الشرعية - وغير ذلك - على صحتها، وما كان كذلك فإنها ترجع إلى الشرع؛ فتكون توقيفية، فلا يصح أن يقال: إنها عبادة غير توقيفية.
ولما قرر العلماء أن العبادات توقيفية علموا أن هذا لا يتعارض مع إثبات عبادات بالقواعد والأدلة العامة بالضوابط الشرعية، كما تقدم في المقدمة الثامنة والحادية عشرة.
وإن كان قد يختلف العلماء أنفسهم في هذه الأدلة وفي دقة تنزيلها على الوقائع، إذا عرف هذا فخلاف الكاتب مع من قال: إنها توقيفية مطلقًا؛ خلافٌ لفظي، لكنه لا يدرك ذلك ولا يفهمه، لأنه اعتقد ثم استدل، فبسبب هذا خرج بتأصيل مُحْدَثٍ، وهو زعْمُه أن العبادات ليست توقيفية مطلقًا!!.
وأيضًا، من عرف ما تقدم أدرك خطأ الكاتب لما وصف الذين أسماهم بالمضيقين، أنهم يمنعون كل المستجدات، فقال على لسانهم: وأن القول بأن بعض المحدثات المستجدات يمكن أن تكون مشروعة؛ قولٌ باطل» (١) وهذا غير صحيح، ولا قائل به، بل حتى من أسماهم بالمضيقين يجوزون بالضوابط الشرعية التعبد ببعض المستحدثات، كما يتبين بالرجوع إلى المقدمتين السابقتين.