ألا ترى أنّ الرقم على الماء لا صورة له، لأن صفحة الماء لا ثبات لها، وكذلك الخطّ في الهواء، وكذلك الكائنات البائدات لا صورة لها، لأنّها لا ثبات لها، وأنت إذا وجدت شيئا لا ثبات له لم تضمّ إليه شيئا آخر لا ثبات له طمعا في وقوع الثبات بينهما، هذا ما لا يدين به وهم، ولا ينقاد له ظنّ، ولو ساغ هذا لساغ أن يجمع بين ما له ثبات، وبين ما له أيضا ثبات، فيحدث هناك سيلان واستحالة.
وقال: وصف العقل بشهادة الحسّ، كما يكون وصف الحسّ بشهادة العقل إلا أن شهادة الحس للعقل شهادة العبد للمولى، وشهادة العقل للحس شهادة المولى للعبد، على أن هاتين الشهادتين لا تطّردان ولا تستمرّان، لأن لكل واحد من الحس والعقل تفرّدا بخاصّ ماله، ولذلك ما وجد حيوان لا عقل له البتة، ووجد في مقابلته حيّ لا حسّ له.
ثم قال: بل العقل يحكم في الأشياء الرّوحانية البسيطة الشريفة من جهة الصّور الرفيعة، والعلائق التي بين المعقولات والمحسوسات ما نعت العقل، والعاقل من خلّص الباقيات الخالدات الدائمات القائمات الثابتات من حومة الكائنات الفاسدات البائنات الذاهبات الحائلات الزائلات المائلات البائدات.
ودخل في هذا التلخيص ضرب من الشكّ والتماري والخصومة والتعادي والتعنّت إلى اختلاف عظيم، ووقفت عن الحكم بعد اليقين.
وقال- أدام الله سعادته- ما السّجيّة؟
قلت: سمعت الأندلسيّ يقول: فلان يمشي على سجيّته، أي طبعه.
قال: هل يقال: ظفرت عليه؟
قلت: قد قال شاعرهم:
وكانت قريش لو ظفرنا عليهم ... شفاء لما في الصّدر والنقص ظاهر
قال: هذا حسن.
قلت: الحروف الّتي تتعدّى إلى الأفعال، والأفعال الّتي تتعدّى بالحروف، يراعى فيها السماع فقط لا القياس. هذا كان مذهب إمامنا أبي سعيد، وقد جاء أيضا «ظفر به» ، وجاء «سخرت به ومنه» .
ومن لا اتّساع له في مذهب العرب يظنّ أن «سخرت به» لا يجوز وهو صحيح.
حكاه أبو زيد.
قال: كيف يقال في جمل به غدّة؟ فكان من الجواب: جمل مغدّ. قال: فكيف يجمع؟ فكان الجواب بأنّه في القياس ظاهر، ولكن السّماع قد كفى. قال الشاعر- وهو خراش بن زهير: