للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الليلة الثالثة عشرة]

فلما حضرت ليلة أخرى قال: هات.

قلت: إن الكلام في النفس صعب، والباحثون عن غيبها وشهادتها وأثرها وتأثّرها في أطراف متناوحة «١» وللنظر فيهم مجال، وللوهم عليهم سلطان، وكلّ قد قال ما عنده بقدر قوّته ولحظه، وأنا آتي بما أحفظه وأرويه، والرأي بعد ذلك إلى العقل الناصح والبرهان الواضح.

قال بعض الفلاسفة: إذا تصفّحنا أمر النفس لحظناها تفعل بذاتها من غير حاجة إلى البدن، لأن الإنسان إذا تصوّر بالعقل شيئا فإنّه لا يتصوّره بآلة كما يتصور الألوان بالعين والروائح بالأنف، فإن الجزء الذي فيه النّفس من البدن لا يسخن ولا يبرد ولا يستحيل من جهة إلى أخرى عند تصوّره بالعقل، فيظنّ الظانّ منّا أنّ النفس لا تفعل بالبدن، لأنّ هذه الأمور ليست بجسم ولا أعراض جسميّة.

وقد تعرف النفس أيضا الآن من الزمان والوحدة واليقظة، وليس لأحد أن يقول: إن النفس تعرف هذه الأشياء بحسّ من الإحساس، ففعل النفس إذن يفارق البدن، وتأليف البرهان أن يكون على أن يقال: للنفس أفعال تخصّها خلو من البدن، مثل التصور بالعقل، وكلّ ما له فعل يخصّه دون البدن فإنه لا يفسد بفساد البدن عند المفارقة.

وقال أيضا: وجدنا الناس متّفقين على أن النفس لا تموت، وذلك أنّهم يتصدّقون عن موتاهم، فلولا أنّهم يتصورون أن النفس لا تموت، ولكنّها تنتقل من حال إلى أخرى إما إلى خير وإما إلى شر، ما كانوا يستغفرون لهم، وما كانوا يتصدقون على موتاهم ويزورون قبورهم.

وقال أيضا: النفس لا تموت، لأنها أشبه بالأمر الإلهي من البدن، إذ كان يدبّر البدن ويرأسه.

والله جلّ وعزّ المدبّر لجميع الأشياء، والرئيس لها. والبدن أشبه شيء بالشيء الميّت من النفس إذ كان البدن إنما يحيا بالنفس.

وقال أيضا: النفس قابلة للأضداد، فهي جوهر، فالفائدة أن النفس جوهر.

<<  <   >  >>