وعدت ليلة أخرى فقال: فاتحة الحديث معك، فهات ما عندك.
فكان من الجواب: أن أخلاق أصناف الحيوان الكثيرة مؤتلفة في نوع الإنسان، وذلك أن الإنسان صفو الجنس الذي هو الحيوان، والحيوان كدر النوع الذي هو الإنسان والإنسان صفو الشخص الذي هو واحد من النوع، وما كان صفوا ومصاصا «١» بهذا النظر انتظم فيه من كلّ ضرب من الحيوان خلق وخلقان وأكثر، وظهر ذلك عليه وبطن أيضا بالأقل والأكثر والأغلب والأضعف، كالكمون الذي في طباع السبع والفأرة، والثبات الّذي في طباع الذئب، والتحرّز الذي في طباع الجاموس من بنات الليل، والحذر الذي في طباع الخنزير، والتقدم الذي في طباع الفيل أمام قطيعه تمثّلا بصاحب المقدّمة.
وكذلك ضد ذلك في الخنزير تمثّلا بصاحب الساقة، وكالحراسة التي في طباع الكلب، وكاوب الطير إلى أوكارها التي تراها كالمعاقل وغيرها بالدّغل والأشب والغياض.
ولهذا قال بعض الحكماء: خذ من الخنزير بكوره في الحوائج، ومن الكلب نصحه لأهله، ومن الهرّة لطف نفسها عند المسألة.
وقالت الترك: ينبغي للقائد العظيم أن يكون فيه عشر خصال من ضروب الحيوان: سخاء الديك، وتحنّن الدجاجة، ونجدة الأسد، وحملة الخنزير وروغان الثعلب، وصبر الكلب، وحراسة الكركيّ، وحذر الغراب، وغارة الذئب، وسمن بعروا، وهي دابة بخراسان تسمن على التعب والشقاء.
ولما وهب الإنسان الفطرة، وأعين بالفكرة، ورفد بالعقل، جمع هذه الخصال وما هو أكثر منها لنفسه وفي نفسه، وبسبب هذه المزية الظاهرة فضل جميع الحيوان حتى صار يبلغ منها مراده بالتسخير والإعمال واستخراج المنافع منها وإدراك الحاجات بها، وهذه المزية التي له مستفادة بالعقل، لأن العقل ينبوع العلم، والطبيعة ينبوع الصناعات، والفكر بينهما مستمل منهما ومؤدّ بعضها إلى بعض بالفيض الإمكاني