قال لي ليلة أخرى: حدّثني أبو الوفاء عنك حديث الخراسانيّ، فأريد أن أسمعه منك.
قلت: كنت قائما عشية على زنبرية «١» الجسر في الجانب الشرقي والحاجّ يدخلون، وجمالهم قد سدت عرض الجسر- أنتظر جوازها وخفّة الطريق منها، فرأيت شيخا من أهل خراسان ذكر لي أنّه من أهل سنجان واقفا خلف الجمال يسوقها، ويحفظ الرحال الّتي عليها، حتى نظر إلى الجانب الغربي فرأى الجذع عليه ابن بقيّة- وكان وزيرا صلبه الملك لذنوب كانت له- فقال: لا إله إلا الله، ما أعجب أمور الدنيا وما أقلّ المفكّر في عبرها وغيرها، عضد الدولة تحت الأرض وعدوّه فوق الأرض! قال: هكذا حدّثني أبو الوفاء، ولذلك استأذنت في دفنه، وكان كلام الشيخ سببا في ذلك.
قال: بلغني أن أبا سليمان يزور في أيام الجمعة رسل سجستان لمّا «٢» ويظلّ عندهم طاعما ناعما، ويأنس بأنك معه، فمن يحضر ذلك المكان؟
فقلت: جماعة، وآخر من كان في هذا الأسبوع الماضي ابن جبلة الكاتب، وابن برمويه، وابن الناظر أبو منصور وأخوه، وأبو سليمان وبندار المغنّي وغزال الراقص، وعلم وراء الستارة.
فقال: ما الذي حفظت من حديث عنهم، وما يجوز أن يلقى إلينا منهم؟ فقلت:
سمعت أشياء، ولست أحبّ أن أسم نفسي بنقل الحديث وإعادة الأحوال فأكون غامزا وساعيا ومفسدا. قال: معاذ الله من هذا، إنّما تدلّ على رشد وخير، وتضلّ عن غيّ وسوء، وهذا يلزم كلّ من آثر الصلاح الخاصّ والعامّ لنفسه وللناس، واعتقد الشفقة، وحثّ على قبول النصيحة، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد سمع مثل هذا وسأل عنه، وكذلك الخلفاء بعده، وكلّ أحد محتاج إلى معرفة الأحوال إذا رجع إلى مرتبة عالية أو محطوطة.
فقلت: وجدت ابن برموية: يذكر أشياء هي متعلّقة بجانبك، ويرى أنها لو لم تكن