عدنا إلى ما كنّا فيه من حديث الممالحة- وكان قد استزادني- فكتبت له هذه الورقات وقرأتها بين يديه، فقال كلاما كثيرا عند كلّ ما مرّ ممّا يكون صلة لذلك الحديث، خزلته طلبا للتّخفيف.
قال حمّاد الرّاوية: عن قتادة قال زياد لغيلان بن خرشة: أحبّ أن تحدّثني عن العرب وجهدها وضنك عيشها لنحمد الله على النّعمة الّتي أصبحنا بها. فقال غيلان:
حدّثني عمّي قال: توالت على العرب سنون سبع في الجاهلية حصّت كلّ شيء، فخرجت على بكر لي في العرب، فمكثت سبعا لا أذوق فيهنّ شيئا إلّا ما ينال بعيري من حشرات الأرض حتى دنوت إلى حواء عظيم، فإذا ببيت جحش «١» عن الحيّ، فملت إليه، فخرجت إليّ امرأة طوالة حسّانة، فقالت: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى. فقالت: لو كان عندنا شيء آنرناك به، والدالّ على الخير كفاعله، جس هذه البيوت فانظر إلى أعظمها، فإن يك في شيء منها خير ففيه. ففعلت حتى دنوت إليه، فرحّب بي صاحبه وقال: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى. فقال: يا فلان، فأجابه، فقال: هل عندك (من) طعام؟ قال: لا، قال: فو الله ما وقر في أذني شيء كان أشدّ عليّ منه. فقال: هل عندك من شراب؟ قال: لا، ثم تأوّه وقال: قد أبقينا في ضرع فلانة شيئا لطارق إن طرق، قال: فأت به، فأتى العطن فابتعثها، فحدّثني عمّي أنّه شهد فتح أصفهان وتستر ومهرجان قذف وكور الأهواز وفارس، وجاهد عند السّلطان وكثر ماله وولده، قال: فما سمعت شيئا قطّ كان ألذّ إليّ من شخب تلك الناقة في تلك العلبة، حتى إذا ملأها ففاضت من جوانبها وارتفعت عليها رغوة كجمّة الشّيخ أقبل بها نحوي فعثر بعود أو حجر، فسقطت العلبة من يده، فحدّثني أنّه أصيب بأبيه وأمّه وولده وأهل بيته، فما أصيب بمصيبة أعظم عليه من ذهاب العلبة، فلمّا رآني كذلك ربّ البيت خرج شاهرا سيفه، فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سناما، على ظهرها مثل رأس الرّجل الصّعل «٢» ، فكشف عن فوّهته ثم أوقد نارا، واجتبّ سنامها، ودفع إليّ مدية وقال: يا عبد الله، اصطل واجتمل فجعلت أهوي بالبضعة إلى النّار، فإذا بلغت إناها أكلتها، ثم