للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنفسنا بعض ما كنّا نسلّط عليه التمنّي من الإرادة فنجمع بين علوّ المرتبة، وشرف الرّياسة، ونيل اللّذّة، وإدراك السرور، واصطناع العرف، وكسب الثّناء، ونشر الذّكر، وبعد الصّيت، فعاد ذلك كلّه بالضّد، وحال إلى الخلاف ووقف على الفكر المضني، والخوف المقلق، واليأس الحيّ، والرّجاء الميّت، وما أحسن ما قال القائل:

أظمتني الدّنيا فلمّا جئتها ... مستسقيا مطرت عليّ مصائبا

فقال له ابن زرعة: إنّ الأمور كلّها بيد الله، ولا يستنجز الخير إلّا منه، ولا يستدفع الشرّ إلّا به، فسله جميل الصّنع وحسن النيّة وانو الخير، وبثّ الإحسان، وكل أعداءك إلى ربّك الّذي إذا عرف صدقك وتوكّلك عليه فلّل حدّهم، وعفّر خدّهم، وسيّح الفرات إلى جمرتهم حتى يطفئها، وسلّط الأرضة على أبدانهم حتى تقرضها، وشغلهم بأنفسهم، وخالف بين كلمتهم، وصدّع شمل جميعهم، وردّهم إليك صاغرين ضارعين، وعرضهم عليك خاضعين، وما ذلك على الله بعزيز، وإنّ الله مع المحسنين على المسيئين.

قال: والله لقد وجدت روحا كثيرا بما قلت لكم وما سمعت منكم، وأرجو أنّ الله يعين المظلوم، ويهين الظّالم. قد تمطّى اللّيل، وتغوّرت النّجوم، وحنّ البدن إلى التّرفّه، فإذا شئتم. فانصرفنا متعجّبين.

<<  <   >  >>