وصلت أيّها الشيخ- أطال الله حياتك- أوّل ليلة إلى مجلس الوزير- أعزّ الله نصره، وشدّ بالعصمة والتوفيق أزره- فأمرني بالجلوس، وبسط لي وجهه الّذي ما اعتراه منذ خلق العبوس، ولطّف كلامه الّذي ما تبدّل منذ كان لا في الهزل ولا في الجدّ، ولا في الغضب ولا في الرضا.
ثم قال بلسانه الذّليق، ولفظه الأنيق: قد سألت عنك مرّات شيخنا أبا الوفاء، فذكر أنّك مراع لأمر البيمارستان من جهته، وأنا أربأ بك عن ذلك، ولعلّي أعرّضك لشيء أنبه من هذا وأجدى، ولذلك فقد تاقت نفسي إلى حضورك للمحادثة والتأنيس، ولأتعرّف منك أشياء كثيرة مختلفة تردّد في نفسي على مرّ الزمان، لا أحصيها لك في هذا الوقت، لكنّي أنثرها في المجلس بعد المجلس على قدر ما يسنح ويعرض، فأجبني عن ذلك كلّه باسترسال وسكون بال، بملء فيك، وجمّ خاطرك، وحاضر علمك، ودع عنك تفنّن البغداديّين ... «١» مع عفو لفظك، وزائد رأيك، وربح ذهنك، ولا تجبن جبن الضّعفاء، ولا تتأطّر تأطّر الأغبياء «٢» ، واجزم إذا قلت، وبالغ إذا وصفت، واصدق إذا أسندت، وافصل إذا حكمت، إلّا إذا عرض لك ما يوجب توقّفا أو تهاديا، وما أحسن ما قال الأوّل:
لا تقدح الظّنّة في حكمه ... شيمته عدل وإنصاف
يمضي إذا لم تلقه شبهة ... وفي اعتراض الشكّ وقّاف
وقد قال الأوّل:
أبالي البلاء وإنّي امرؤ ... إذا ما تبيّنت لم أرتب
وكن على بصيرة أنّي سأستدلّ ممّا أسمعه منك في جوابك عمّا أسألك عنه على صدقك وخلافه، وعلى تحريفك وقرافه.
فقلت: قبل كلّ شيء أريد أن أجاب إليه يكون ناصري على ما يراد منّي فإنّي إن منعته نكلت، وإن نكلت قلّ إفصاحي عما أطالب به وخفت الكساد،