واقتلع مغروسه، وصار المنكر معروفا، والمعروف منكرا، وعاد كلّ شيء إلى كدره وخاثره، وفاسده وضائره، وحصل الأمر على أن يقال: فلان خفيف الرّوح، وفلان حسن الوجه، وفلان ظريف الجملة، حلو الشّمائل، ظاهر الكيس، قويّ الدّست «١» في الشّطرنج، حسن اللّعب في النّرد، جيّد في الاستخراج، مدبّر للأموال، بذول للجهد، معروف بالاستقصاء لا يغضي عن دانق، ولا يتغافل عن قيراط، إلى غير ذلك مما يأنف العالم من تكثيره، والكاتب من تسطيره.
وهذه كلّها كنايات عن الظلم والتجديف، والخساسة والجهل وقلّة الدّين وحبّ الفساد، وليس فيها شيء ممّا قدّمنا وصفه عن القوم الّذين اجتهدوا أن يكونوا خلفاء الله على عباد الله بالرأفة والرّقّة والرحمة والاصطناع والعدل والمعروف.
وأرجع عن هذه الشّكيّة الطويلة اللّاذعة والبليّة العامّة الشاملة، إلى عين ما رسمت لي ذكره، وكلّفتني إعادته، عائذا بالله في صرف الأذى عنّي وسوق الخير إليّ، ولائذا بكرمك الّذي رشتني به إلى الساعة، وكفيتني به مؤونة الخدمة لغيرك من هذه الجماعة، والأعمال بخواتيمها، والصّدور بأعجازها، وأنت أولى الناس بالصّفح والتجاوز عنّي إذا عرفت براءتي في كلّ ما يتعلّق بي من ذمامك، ويجب عليّ من الحقّ في مودّتك، والاعتصام بحبلك والانتجاع «٢» من عشبك، والارتغاء من لبنك.