وجرى ليلة حديث الرأي في الحرب والحزم والتّيقّظ وقلّة الاستهانة بالخصم.
فقال ابن عبيد الكاتب: أنا أستحسن كلاما جرى أيّام الأمين والمأمون، وذاك أن عليّ بن عيسى بن ماهان لمّا توجّه إلى حرب طاهر بن الحسين من بغداد، سأل قوما وردوا من الرّيّ عن طاهر، فقالوا: إنه مجدّ. فقال: وما طاهر؟ إنما هو شوكة من أغصاني، وشرارة من ناري، ثم قال لأصحابه: والله ما بينكم وبين أن ينقصف انقصاف الشّجر من الرّيح العاصفة إلّا أن يبلغه عبورنا عقبة همذان، لأنّ السّخال لا تقوى على النّطاح، والثعالب لا صبر لها على لقاء الأسود، فإن يقم طاهر بموضعه يكن أوّل معرّض لظبات السّيوف وأسنّة الرّماح. فقال يحيى بن عليّ لعليّ بن عيسى:
أيّها الأمير، إنّ العساكر لا تساس بالتّواني، والحروب لا تدبّر بالاغترار، وإنّ الشّرارة الخفيّة ربّما صارت ضراما، والنّهلة من السّيل ربّما صارت بحرا عظيما.
فقال: إنّما حجب عليّ بن عيسى عن وثيق الرّأي هذا الاستحقار بالكلام، والاقتدار على اللّفظ، ومن صدق فكره في طلب الرأي النافع، قلّ كلامه بالهذر الضائع.
وقال في هذه الليلة: ما رأيت من يفي بإحصاء وجوه فعيل ومواقعها.
فكان من الجواب: أنّ الأخفش قد ذكر عشرة أوجه، وهي أكثر ما قدر عليه، والتصفّح قد دلّ على أربعين وجها وزيادة.
قال: فما أغرب ما مرّ بك منها؟
فقيل: فعيل بمعنى فعل. فقال: هذا والله غريب، فهات له شاهدا. فقيل: يقال مكان دميث ودمث، ويقين ويقن، ورصيف ورصف، وللفرس العتيد للعدو: العتد، والنّقيل من العدو: نقل، والخبيط من الورق: خبط، وللعديم: عدم، والبئر النّزيح:
نزح، وللجسم العميم: عمم.
وقال ابن الأعرابي: القفيل الشّوك اليابس، والجمع قفل. وقال أحمد بن يحيى: هو مني بعد أي بعيد، والبعد يكون للجمع والواحد.
فعجب وقال: ينبغي أن يعنى بهذه الوجوه كلّها. فإنّ الزيادة على مثل الأخفش