وقال الوزير ليلة: يعجبني الجواب الحاضر، واللفظ النادر، والإشارة الحلوة، والحركة الرّضيّة، والنّغمة المتوسّطة، لا نازلة إلى قعر الحلق، ولا طافحة على الشفة.
فكان من الجواب: اقتراح الشيء على الكمال سهل، ولكنّ وجدانه على ذلك صعب، لأنّ التّمنّي صفو النّفس الحسّيّة، ونيل المتمنّى في الفرصة المحشوّة بالحيلولة.
وقد قال المدائنيّ: أحسن الجواب ما كان حاضرا مع إصابة المعنى وإيجاز اللّفظ وبلوغ الحجّة.
وقال أبو سليمان شارحا لهذا: أمّا حضور الجواب فليكون الظّفر عند الحاجة، وأما إيجاز اللفظ فليكون صافيا من الحشو، وأمّا بلوغ الحجّة فليكون حسما للمعارضة.
قال: ما أحسن ما وشّح هذه الفقرة بهذه الشّذرة! وحكى المدائنيّ قال: قال مسلمة بن عبد الملك: ما من شيء يؤتاه العبد بعد الإيمان بالله أحبّ إليّ من جواب حاضر، فإنّ الجواب إذا تعقّب لم يكن له وقع.
وحكى المدائنيّ بإسناده عن عبد الرّحمن بن حوشب أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعمرو بن الأهتم التّميميّ: أخبرني عن الزّبرقان بن بدر، فقال: مطاع في أدنيه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره. فقال الزّبرقان: يا رسول الله، إنه ليعلم منّي أكثر من هذا، ولكنّه حسدني، فقال عمرو: أما والله يا رسول الله إنّه لزمر المروءة، ضيّق العطن، لئيم الخال، أحمق الوالد، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الأخرى، ولقد رضيت فقلت أحسن ما علمت، وسخطت فقلت أسوأ ما علمت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ من البيان لسحرا وإنّ من الشّعر لحكما» .