بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيها الشيخ وصل الله قولك بالصواب، وفعلك بالتّوفيق، وجعل أحوالك كلّها منظومة بالصلاح، راجعة إلى حميد العاقبة، متألّفة بشوارد السّرور، ووفّر حظّك من المدح والثناء، فإنّهما ألذّ من الشّهد والسّلوى، ومدّ في عمرك لكسب الخير، واستدامة النّعمة بالشّكر، وجعل تلذّذك باصطناع المعروف، وعرّفك عواقب الإحسان إلى المستحقّ وغير المستحق، حتّى تكلف ببثّ الجميل، وتشغف بنشر الأيادي، وحتى تجد طعم الثناء، وتطرب عليه طرب النّشوان على بديع الغناء. لا طرب البردانيّ على غناء علوة جارية ابن علويه في درب السلق إذا رفعت عقيرتها فغنّت بأبيات السّرويّ:
بالورد في وجنتيك من لطمك ... ومن سقاك المدام لم ظلمك؟
خلّاك لا تستفيق من سكر ... توسع شتما وجفوة خدمك
معقرب الصّدغ قد ثملت فما ... يمنع من لثم عاشقيك فمك؟
بالله يا أقحوان مضحكه ... على قضيب العقيق من نظمك؟
ولا طرب ابن فهم الصّوفيّ على غناء «نهاية» جارية ابن المغنّى إذا اندفعت بشدوها:
أستودع الله في بغداد لي قمرا ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودّعته وبودّي لو يودّعني ... صفو الحياة وأنّي لا أودّعه
فإنه إذا سمع هذا منها ضرب بنفسه الأرض، وتمرّغ في التراب وهاج وأزبد، وتعفّر شعره، وهات من رجالك من يضبطه ويمسكه، ومن يجسر على الدنو منه، فإنه يعضّ بنابه، ويخمش بظفره، ويركل برجله ويخرّق المرقّعة قطعة قطعة، ويلطم وجهه ألف لطمة في ساعة، ويخرج في العباءة كأنه عبد الرزاق المجنون صاحب الكيل في جيرانك بباب الطاق.
ولا طرب ابن غيلان البزاز على ترجيعات «بلّور» جارية ابن اليزيدي المؤلّف