فلما عدت إلى المجلس قال: ما تحفظ في تفعال وتفعال، فقد اشتبها؟ وفزعت إلى ابن عبيد الكاتب فلم يكن عنده مقنع، وألقيت على مسكويه فلم يكن له فيها مطلع، وهذا دليل على دثور الأدب وبوار العلم والإعراض عن الكدح في طلبه.
فقلت:
قال شيخنا أبو سعيد السّيرافيّ الإمام- نضّر الله وجهه-: المصادر كلّها على تفعال بفتح التاء، وإنما تجيء تفعال في الأسماء، وليس بالكثير. قال: وذكر بعض أهل اللّغة منها ستة عشر اسما لا يوجد غيرها. قال: هاتها.
قلت: منها التّبيان والتّلقاء، ومرّ تهواء من اللّيل، وتبراك، وتعشار وترباع، وهي مواضع، وتمساح للدّابة المعروفة، والتمساح الرّجل الكذّاب أيضا. وتجفاف وتمثال وتمراد بيت الحمام، وتلفاق، وهو ثوبان يلفقان. وتلقام: سريع اللّقم.
ويقال: أتت الناقة على تضرابها، أي على الوقت الذي ضربها الفحل فيه، وتضراب كثير الضّرب، وتقصار، وهي المخنقة، وتنبال، وهو القصير.
قال: هذا حسن، فما تقول في تذكار؟ فإنّ الخوض في هذا المثال إنما كان من أجل هذا الحرف، فإنّ أصحابنا كانوا في مجلس الشّراب، فاختلفوا فيه؟ فقلت: هذا مصدر، وهو مفتوح.
ثم قال: اجمع لي حروفا نظائر لهذا من اللغة، واشرح ما ندر منها، وعرض الشّكّ لكثير من الناس فيها.
فقلت: السمع والطاعة مع الشّرف بالخدمة.
وقال أيضا: حدّثني عن شيء هو أهمّ من هذا لي وأخطر على بالي، إني لا أزال أسمع من زيد بن رفاعة قولا ومذهبا لا عهد لي به وكناية عما لا أحقّه، وإشارة إلى ما لا يتوضّح شيء منه، يذكر الحروف ويذكر النّقط، ويزعم أن الباء لم تنقط من تحت واحدة إلا بسبب، والتاء لم تنقط من فوق اثنتين إلّا لعلّة، والألف لم تعرّ إلا لغرض. وأشباه هذا، وأشهد منه في عرض ذلك دعوى يتعاظم بها ويتنفّج «١» بذكرها،