للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الليلة الثامنة والثلاثون]

وجرى ليلة بحضرة الوزير- أعلى الله كلمته، وأدام غبطته، ووالى نعمته- أحقّ من دعي له، وأشرف من بوهي به، وأكمل من شوهد في عصره- حديث ابن يوسف وما هو عليه من غثاثته ورثاثته، وعيارته وخساسته.

فقلت له: عندي حديث، ولا شكّ أنّ الوزير مطّلع عليه، عارف به. قال: ما ذاك؟ قلت: حدّثني أبو عليّ الحسن بن عليّ القاضي التّنوخيّ قال: كنت في الصّحبة إلى همذان سنة تسع وستّين، وكنّا جماعة وفينا ابن حرنبار أبو محمّد، وكان في جنبه ابن يوسف، فاتّفق أنّ عضد الدّولة- برّد الله مضجعه- قال لابن شاهويه: سر إلى ابن حرنبار وقل له: ينبغي أن تسير إلى البصرة وإنّا نجعل لك فيها معونة، فقد طال مقامك عندنا، وتوالى تبرّمنا بك، وتبرّمك بنا، وليس لك بحضرتنا ما تحبّه وتقترحه، والسلامة لك في بعدك عنّا قبل أن يفضي ذلك إلى تغيّرنا. وكلاما في هذا النّوع.

قال: ونفذ أبو بكر ومعه آخر من المجلس يشهد التّبليغ والأداء، ويسمع الجواب والابتداء- على رسم كان معهودا في مثل هذا الباب- فلقي ابن حرنبار وشافهه بالرّسالة على التّمام، فقال أبو محمّد لما سمع: الأمر للملك، ولا خلاف عليه، ولعمري إنّ الناس بجدودهم ينالون حظوظهم، وبحظوظهم يستديمون جدودهم، ولو وفّقت ما كان عجيبا، فقد نال من هو أنقص منّي، وبلغ المنى من أنا أشرف منه، ولكنّ المقادير غالبة، وليس للإنسان عنها مرتحل، وقد قيل: من ساور الدهر غلب، ولكن أيّها الشيخ لي حاجة: أحبّ أن تبلّغ الملك كلمة عنّي. قال:

هاتها، قال: تقول له: أنا صائر إلى ما رسمت، ومتمثل ما أمرت، بعد أن تقضي لي وطرا في نفسي، قد تقطّع عليه نفسي، وذاك أن تتقدّم فيقام عبد العزيز بن يوسف بين اثنين فيصفعانه مائتين، ويقولان له: إذا لم تبذل جاهك لمتلهّف، ولا عندك فرج لمكروب، ولا برّ لضعيف، ولا عطاء لسائل، ولا جائزة لشاعر، ولا مرعى لمنتجع، ولا مأوى لضيف، فلم تخاطب بسيّدنا، وتقبّل لك اليد، ويقام لك إذا طلعت؟؟

قال ابن شاهويه: فقبل أن لقيت الملك أفصح له الّذي كان معي مشرفا عليّ.

فلمّا دخلت الدار عرّف، فقال: عليّ به، فحضرته وابن يوسف قاعد بين يديه على رسمه. فقال لي: هات الجواب عما نفذت فيه، فقلت: الجواب عندك، فقال: ما

<<  <   >  >>