للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لصحّة توحيده له بما يشهد من أعاجيبها، ونيل لرضوانه بما يتزوّد من عبره الّتي يجد فيها، وليكون له موقظ منها وداع حاد إلى طاعة من أبداها وأبرزها، وخلطها وأفردها.

فقال: قد كنت قلت: إنّه يجري كلام في النّفس منذ ليال، فهل لك في ذلك؟

قلت: أشدّ الميل وأوحاه، لكن بشرط أن أحكي ما عندي، وأروي ما حصّلت من هذه العصابة بسماعي وسؤالي. فقال: نستأنف الخوض في ذلك- إن شاء الله- فإن النّعسة قد جذبت العين، فأنا كما قال:

قد جعل النّعاس يغرنديني «١» ... أدفعه عنّي ويسرنديني «٢»

أنشدني أبياتا ودّعني بها، ولتكن من سراة نجد، ليشتمّ منها ريح الشّيح والقيصوم.

فأنشدته لأعرابيّ قديم:

مطرنا فلمّا أن روينا تهادرت ... شقاشق منها رائب وحليب

ورامت رجال من رجال ظلامة ... وعادت ذخول بيننا وذنوب

ونصّت ركاب للصّبا فتروّحت ... لهنّ كما هاج الحبيب حبيب

وطئن فناء الحيّ حتّى كأنّه ... رجا منهل من كرّهنّ نخيب

بني عمّنا لا تعجلوا ينضب الثّرى ... غليلا ويشفي المسرفين طبيب

فلو قد تولّى النبت وامتيرت القرى ... وحثّت ركاب الحيّ حين تؤوب

وصار عيوف الخود وهي كريمة ... على أهلها- ذو جدّتين قشيب

وصار الذي في أنفه خنزوانة ... ينادي إلى داعي الرّدى فيجيب

أولئك أيّام تبيّن ما الفتى ... أكاب سكيت أم أشمّ نجيب

فعجب وقال: هذا جنى غرس قد جذّ أصله، ونزيح قليب قد غار مدّه وجزره، وانصرفت.

<<  <   >  >>