يقال: إنّ في بلد كذا نهرا ماؤه في البحر منحدرا إليه على حال طبيعته ستّ ساعات، وفي الستّ الثاني يحتبس ماؤه في ينبوعه ويرى جوفه ناضبا قد يبس.
ونهر آخر يجري في كلّ سبع سنين نهر كبريت، ولا يكون فيه سمك، لأن ماءه يتغيّر في كلّ يوم ثلاث مرّات، وينبعث منه شبه ثور ليس له رأس.
وأهل الشأم إذا أرادوا أخذه ألقوه في سفينة، ولا يستطيعون قطعه بفأس ولا كسره بحجر، إنما يؤتى بالماء المنتن ودم الحيض فيخلطان جميعا ثم ينضحان عليه، فإذا وقعا عليه تحلّل وتكتّل كتلا صغارا، وتستعمل في أشياء ينتفع بها.
عين النار تنبع منها نار تضيء بالليل للسيّارات فلا تطفأ ولا تحتاج إلى شيء يمسكها، لكنّها محفوظة بالحجارة، إن حمل إنسان منها شعلة قبس إلى موضع لم توقد.
البحر الميّت يقال له ذلك لأنه يموت فيه كلّ حيّ.
السّرطان ينسلخ جلده في السنة سبع مرّات، ويتّخذ بجحره بابين: أحدهما شارع إلى الماء، والآخر إلى اليبس، وإذا سلخ جلده سدّ عليه الشارع إلى الماء لكيلا يدخل السمك فيأكله، إلا أنّه يدع الّذي إلى اليبس مفتوحا فتصيبه الريح وما ينفع لحمه ويعصمه، فإذا اشتدّ لحمه وعاد إلى حاله فتح ذلك المسدود وسلك في الماء وطلب طعمه وما يقيم حياته.
الزامور حوت صغير الجسم إلف لأصوات الناس، مستأنس باستماعها ولذلك يصحب السفن متلذذا بأصوات الناس، فإذا رأى الحوت الأعظم يريد الاحتكاك بها وكسرها، وثب الزامور ودخل أذنه، فلا يزال زامرا فيها حتى يفرّ الحوت إلى الساحل يطلب خزفا أو صخرة، فإذا أصاب ذلك لا يزال يضرب به رأسه حتى يموت.
وركّاب السفينة يحبّونه ويطعمونه ويتفقّدونه، ليدوم إلفه لهم وصحبته لسفينتهم، ويسلموا به من ضرر السّمك العادي.
وإذا ألقوا شبكة ليصطادوا السمك فوقع فيها الزامور خلّوه حيّا وأخذوه وأعتقوا لكرامته أصناف السمك الواقع في الشبكة أحياء.
وإني قرأت هذا الفصل على الوزير- كبت الله كلّ شانئ له- في ليلتين، فتعجّب وقال: ما أوسع رحمة الله، وما أكثر جند الله، وما أغرب صنع الله. قلت:
نعم، وما أغفل الإنسان عن حقّ الله الّذي له هذا الملك المبسوط، وهذا الفلك المربوط، وهذه العجائب التي تصعد فوق العقول التامّة بالاعتبار والاختبار بعد الاختبار، وإنما بثّ الله تعالى هذا الخلق في عالمه على هذه الأخلاق المختلفة والخلق المتباينة، ليكون للإنسان المشرّف بالعقل طريق إلى تعرّف خالقها، وبيان