وإما له نسبة إلى الخاصة من وجه، وإلى العامّة من وجه، فهو يتذبذب عليه من الإنكار الجانب للهجر، والاعتراف الجالب للوصل، فالقاصّ حينئذ ينظر إلى تفريغ الزمان لمداراة هذه الطوائف، وحينئذ ينسلخ من مهمّاته النفسيّة، ولذّاته العقليّة، وينقطع عن الازدياد من الحكمة بمجالسة أهل الحكمة، إمّا مقتبسا منهم، وإمّا قابسا لهم، وعلى ذلك فما رأيت من انتصب للناس قد ملك إلّا درهما وإلّا دينارا أو ثوبا، ومناصبة شديدة لمماثليه وعداته.
قال: إن الليل قد دنا من فجره، هات ملحة الوداع.
قلت: قال يعقوب صاحب (إصلاح المنطق) :
دخل أعرابي الحمّام فزلق فانشجّ، فأنشأ يقول:
وقالوا تطهّر إنّه يوم جمعة ... فرحت من الحمّام غير مطهّر
تردّيت منه شاريا شجّ مفرقي ... بفلسين إنّي بئس ما كان متجري
وما يحسن الأعراب في السّوق مشية ... فكيف ببيت من رخام ومرمر
يقول لي الأنباط إذ أنا نازل ... «به لا بظبي بالصّريمة أعفر»«١»
وقال- حرس الله نفسه-: كنت أروي قافية هذا البيت «أعفرا» ، وهذه فائدة كنت عنها في ناحية، وانصرفت.
قد رأيت أيّها الشيخ- حاطك الله- عند بلوغي هذا الفصل أن أختم الجزء الأوّل بما أنتهى إليه، وأشفعه بالجزء الثاني على سياج ما سلف نظمه ونثره، غير عائج على ترتيب يحفظ صورة التصنيف على العادة الجارية لأهله، وعذري في هذا واضح لمن طلبه، لأنّ الحديث كان يجري على عواهنه بحسب السانح والدّاعي.
وهذا الفنّ لا ينتظم أبدا، لأنّ الإنسان لا يملك ما هو به وفيه، وإنما يملك ما هو له وإليه.
وهذا فصل يحتاج إلى نفس مديد، ورأي يصدر عن تأييد وتسديد: والسلام، والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين، وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.