للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخالي من الآفات؟ فقال: أن يكون الدين طريّا، والدولة مقبلة، والخصب عامّا، والعلم مطلوبا، والحكمة مرغوبا فيها، والأخلاق طاهرة، والدعوة شاملة، والقلوب سليمة، والمعاملات متكافئة، والسياسة مغروسة، والبصائر متقاربة. فقال: هذا لو صحّ لارتفع الكون والفساد اللذان هما سوس هذا المكان، فقال: غلطت يا أبا عبد الله، فإن الكون والفساد يكونان على حاليهما، ولكنّهما يقعان على معلومين للصورة الثابتة، والسياسة العامّة الغالبة، كأنك لا تحس بالفرق بين زمان خصب الأرض وجدبها، وكما أنّ للأرض خصبا وجدبا، كذلك للأحوال والأديان وللدّول صلاح وفساد، وإقبال وإدبار، وزيادة ونقصان، ولو كان ما خلته لازما، لكنّا لا نتمنّى ملكا عادلا، ولا سائسا فاضلا، ولا ناظرا ناظما، ولا مدبّرا عالما، وكان هذا لا يعرف ولا يعهد، ويكون في عرض المحال كونه ووجدانه، وليس الأمر هكذا فقد عهدنا مثل أبي جعفر بسجستان، وكان والله بصيرا خبيرا، عالما حكيما، يقظا حذرا، يخلق ويفري، ويريش ويبري، ويكسو ويعري، ويمرض ويبري، وهكذا مثل أبي جعفر بالأمس ملك العراق في حزامته وصرامته وقيامه في جميع أموره، بنظره وتدبيره، وكذلك قد عهد الناس قبلنا مثل هذا، فلم يقع التعجّب من شيء عليه مدار الليل والنهار.

وقال ديوجانس لصاحب له: اطلب في حياتك هذه، العلم والمال، تملك بهما الناس، لأنك بين الخاصّة والعامّة، فالخاصّة تعظّمك لفضلك، والعامّة تعظّمك لمالك «١» .

وقال أفلاطون: إنّ الله تعالى بقدر ما يعطي من الحكمة يمنع الرّزق، قال أبو سليمان: لأنّ العلم والمال كضرّتين قلّما يجتمعان ويصطلحان، ولأنّ حظّ الإنسان من المال إنما هو من قبيل النّفس الشّهويّة والسّبعيّة، وحظّه من العلم إنما هو من قبيل النّفس العاقلة، وهذان الحظّان كالمتعاندين والضّدّين. قال: فيجب على الحصيف والمميّز أن يعلم بأن العالم أشرف في سنخه وعنصره، وأوّله وآخره، وسفره وحضره، وشهادته ومغيبه من ذي المال، فإذا وهب له العلم فلا يأس على المال الذي يجزئ منه اليسير، ولا يلهب نفسه على فوته حسرة وأسفا، فالعلم مدبّر، والمال مدبّر، والعلم نفسيّ، والمال جسديّ، والعلم أكثر خصوصيّة بالإنسان من المال، وآفات صاحب المال كثيرة وسريعة، لأنّك لا ترى عالما سرق علمه وترك فقيرا منه، وقد رأيت جماعة سرقت أموالهم ونهبت وأخذت، وبقي أصحابها محتاجين لا حيلة لهم، والعلم يزكو على الإنفاق، ويصحب صاحبه على الإملاق، ويهدي إلى القناعة، ويسبل السّتر على الفاقة، وما هكذا المال.

<<  <   >  >>