والعقليّة، أعني الشجاعة والجود والحلم والحكمة والصبر، وهذه كلّها جماع الأسباب المكمّلة للإنسان في عاجلته وآجلته، وبالواجب ما كان ذلك كذلك، لأن الفضائل لا تقتنى إلّا بالشّوق إليها، والحرص عليها، والطّلب لها، والشوق والطلب والحرص لا تكون إلّا بمشوّق وباعث وداع، فلهذا برزت الأريحيّة والهزّة، والشوق والعزّة، فالأريحيّة للرّوح، والهزّة للنفس، والشوق للعقل، والعزّة للإنسان. وما يجب أن يعلم أنّ السّمع والبصر أخصّ بالنفس من الإحساسات الباقية، لأنهما خادما النفس في السرّ والعلانية، ومؤنساها في الخلوة، وممدّاها في النّوم واليقظة، وليست هذه الرتبة لشيء من الباقيات، بل الباقيات آثارها في الجسد الذي هو مطيّة الإنسان، لكنّ الفرق بين السمع والبصر في أبواب كثيرة: ألطفها أنّ أشكال المسموع مركّبة في بسيط، وأشكال المبصر مبسوطة في مركّب.
قلت: وقد حكيت هذا لأبي زكريّاء الصّيمريّ فطرب وارتاح وقال: ما أبعد نظر هذا الرجل! وما أرقى لحظه! وما أعزّ جانبه!