وقال: نتوصّل إلى كريّة القمر بما نراه من اختلاف أشكاله، أعني أنّا نراه في الدّورة الواحدة هلاليّا مرّتين ومنصّفا مرّتين وبدرا مرّة واحدة، وهذه الأشكال وإن كانت متقدّمة عندنا فإن كونه كريّا هو المتقدّم بالذات.
وقال: ما هو أكثر تركيبا فالحسّ أقوى على إثباته، وما هو أقلّ تركيبا فالعقل أخلص إلى ذاته.
وقال: الأحداث- وهي الذوات الإبداعيّة- الوقوف على إثباتها يغني عن البحث عن ماهيّاتها.
وقال: كلّ معنى يوجد بوجوده غيره لا يرتفع بارتفاع ذلك الذي هو غيره، بل يرتفع غيره بارتفاعه، فإنه أقدم ذاتا من غيره، مثاله الجنس لا يرتفع بارتفاع واحد من أنواعه، والأنواع ترتفع بارتفاع الجنس، وكذلك حال النّوع مع الشخص، فالجنس أقدم من النوع، والنوع أقدم من الشخص، وأعني بالجنس والنوع الطبيعيّين لا المنطقيّين.
وقال: معرفتنا أوّلا تتعلق بالأشخاص الجزئية ثم بتوسّطها ثبتت الأجناس فإذا المتقدّم بالذات غير المتقدّم إلينا.
وقال: مسلك العقل في تعرّف المعاني الطبيعية مقابل لمسلك الطبيعة في إيجادها، لأنّ الطبيعة تتدرّج من الكلّيّات البسيطة إلى الجزئيّات المركّبة، والعقل يتدرّج من الجزئيات المركّبة إلى البسائط الكلّيّة.
قال أبو النضر نفيس: إنما كان هذا هكذا لأن الطبيعة متناولة من العقل والعقل مناول للطبيعة، فوجب أن يختلف الأمران، فإن قال قائل: فهلا تمّ الأمران معا بواحد منهما، أعني الطبيعة أو العقل؟ فالجواب أنّ أحدهما في العلو، والآخر في السّفل، فليس للعالي أن يهبط، ولا للسافل أن يعلو، فلمّا كان هذا محالا توسّط بينهما- أعني العالي والسافل- المناولة والتّناول حتى اتّصل الأوّل بالثاني، وغصّ الفضاء بينهما بضروب الأفراد والأزواج، وانتظم الكلّ فلم يكن فيه خلل، ولا دونه مأتىّ، ولا وراءه متوهّم.
وقال: الإنسان مركّب من الأعضاء الآليّة بمنزلة الرأس واليدين والرّجلين وغيرها، ثم كلّ واحد من هذه الأعضاء مركّب من الأعضاء المتشابهة الأنواع بمنزلة اللحم والعظم والعصب والشّريان، ثم كل واحد من هذه الأعضاء مركّب من الأخلاط الأربعة التي هي الدم والبلغم والمرّتان، ثم كلّ واحد من هذه الأخلاط مركب من الأسطقسّات الأربعة التي هي النار والهواء، والأرض والماء، ثم كلّ واحد من هذه الأسطقسّطات مركّب من الهيولى والصورة.