جملة ما وصف من أصحابه. فقال:«وأما أبو الوفاء فهو والله ما يقعد به عن المؤانسة الطيبة والمساعدة المطربة والمفاكهة اللذيذة والمواتاة الشهية، إلا أن لفظه خراساني، وإشارته ناقصة، هذا مع ما استفاده بمقامه الطويل ببغداد، والبغدادي إذا تخرسن كان أعلى وأظرف من الخراساني إذا تبغدد» .
إلى هنا رأينا أن الكتاب ألّف لأبي الوفاء المهندس، نقل فيه أبو حيان ما دار بينه وبين ابن سعدان. ولكن القفطي في كتابه «أخبار الحكماء» عند ترجمته لأبي سليمان المنطقي أورد كلاما يناقض ما نقول، سواء في ذلك من ألف له الكتاب، ومن دار الحديث بينه وبين أبي حيان.
فقد ذكر:«أن أبا سليمان كان أعور، وكان به وضح، وكان ذلك سبب انقطاعه عن الناس ولزومه منزله، فلا يأتيه إلا مستفيد وطالب علم، وكان يشتهي الإطلاع على أخبار الدولة وعلم ما يحدث فيها ... وكان أبو حيان التوحيدي من بعض أصحابه المعتصمين به، وكان يغشى مجالس الرؤساء ويطلع على الأخبار، ومهما علمه من ذلك نقله إليه وحاضره به، ولأجله صنف كتاب «الإمتاع والمؤانسة» نقل له فيه ما كان يدور في مجلس أبي الفضل عبد الله بن العارض الشيرازي عند ما تولى وزارة صمصام الدولة بن عضد الدولة» . وأنا أرجح خطأ القفطي في الوجهين معا.
فأما في الأول: فإن النسخة التي بيدي تذكر أنه ألفه لأبي الوفاء المهندس لا لأبي سليمان المنطقي. ويقول في صدر الكتاب: إنه ألفه ردا لجميل أبي الوفاء إذ كان هو الذي أوصله لأبي عبد الله. وعندما يأتي ذكر أبي الوفاء في ثنايا الكتاب، ويسأل أبو عبد الله أبا حيان عن رأيه فيه يمدحه ويثني عليه، ويقول: كيف أذمه وهو الذي أوصلني بك، وقد سبق أن أثبتنا أن أبا الوفاء كان من ندماء أبي عبد الله.
ودليل آخر، وهو أن أبا حيان في بعض كلامه في الكتاب يستجدي من ألّف له الكتاب، وقد كان أبو الوفاء المهندس في منزلة تسمح له بذلك، فإنه رجل جليل القدر يلقبه الوزير بشيخنا. أما أبو سليمان فكان فقيرا كما ذكر ذلك أبو حيان في هذا الكتاب، وكانت صلة أبي حيان به صلة علمية لا صلة مالية، فمن البعيد جدا أن يستجديه أبو حيان.
ودليل ثالث: وهو أن الوزير أبا عبد الله سأل أبا حيان في الكتاب عن أبي سليمان هذا، فذكر له أوصافه، وفيها ما هو عيب لأبي سليمان كقوله: إنه يجتمع مع قوم للشراب، ويذكر بعضهم الوزير بالسوء، فلو كان أبو حيان ألفه لأبي سليمان لكان بعيدا كل البعد أن يذكر هذا الحديث.
ودليل رابع: وهو أن أبا حيان ينقل في كتابه هذا عن أبي سليمان، ويذكر آراءه،