ولما حرّرت هذه الجملة وحملتها إلى الوزير وقرأتها عليه قال لي: هذا والله جهد المقلّ، وفي غليلي بقيّة من اللهب.
قلت: أيّها الوزير، قال أبو سليمان: سنقول لك كلاما لا يكون فيه كلّ الرّضا، فقل له عند ذلك: إنّك سألت عن العالم بأسره، فلا طاقة لأحد أن يعرض عليك العالم بأسره، ولولا عجلة رسولك في المطالبة، وإدلاله بالإلحاح، وقوله: المراد التّقريب والإيجاز، لا التّطويل والإسهاب، لكان النّسج على غير هذا المنوال، والعمل على غير هذا الوشي.
قال: ومن المعالم الّتي ليس لها ناظر، ولا بها خابر، أنّ السائل يحضّ على التّلخيص المفهوم، ولعلّ ذلك يزيد الشيء إغلاقا، فإذا امتثل ما يرسم قال: ما شفاني القول، وإن زيد على ذلك قال: غرق المراد في حواشي التّكثير، فليس للعالم تخلّص من استزادة المتعلّم، ولا عند المتعلّم شكر على مبذول جهد العالم، وهذا أمر قد تقدّمت الاستغاثة منه على مرّ الدّهور، والأولى فيما لا حيلة فيه الرّضا بالميسور منه.
ثم قال: وإن أطال الله أيام هذه الدّولة، وحرس على هذه الجماعة القليلة النّعمة، استأنفنا نظرا أبلغ من هذا النّظر، ببيان أشفى من هذا البيان، وطريق أوضح من هذا الطريق- إن شاء الله.
قال الوزير: والله ما قلت قولي ذاك، لأنّ هذا الكلام سهل، وهذا المتناول قريب، وهذا المرمى كثب، كلّا، وإنّي لأظنّ بل أحقّ أنه ليس في بضائع أصحابنا الذين حولي من يدرك هذه المعاني على هذه الصّفة إذا قرئت عليه، فكيف من يفزع في شرحها وتهذيبها إليه.
ثم تمطّى وقال: وانعاساه، واضعف منّتاه، ثم فارقت المجلس.