أغرّك مسكويه حين قال لك: قد لقيت أبا حيّان، وقد أخرجته مع صاحب البريد إلى قرميسين؟! والله ثم وحياتك التي هي حياتي، ما انقلبت من ذلك بنفقة شهر، والله نظر لي بالعود، فإنّ الأراجيف اتّصلت، والأرض اقشعرّت، والنفوس استوحشت، وتشبّه كلّ ثعلب بأسد، وفتل كلّ إنسان لعدوّه حبلا من مسد.
أيّها الكريم، ارحم، والله ما يكفيني ما يصل إليّ في كلّ شهر من هذا الرّزق المقترّ الّذي يرجع بعد التّقتير والتّيسير إلى أربعين درهما مع هذه المؤنة الغليظة، والسّفر الشاقّ، والأبواب المحجّبة، والوجوه المقطّبة، والأيدي المسمّرة، والنفوس الضيّقة، والأخلاق الدّنيئة.
أيّها السيّد، أقصر تأميلي، ارع ذمام الملح بيني وبينك، وتذكّر العهد في صحبتي، طالب نفسك بما يقطع حجّتي، دعني من التعليل الّذي لا مردّ له، والتسويف الّذي لا آخر معه.
ذكّر الوزير أمري، وكرّر على أذنه ذكري، وأمل عليه سورة من شكري، وابعثه على الإحسان إليّ.
افتح عليه بابا يغري الرّاغب في اصطناع المعروف لا يستغني عن المرغب، والفاعل للخير لا يستوحش من الباعث عليه.
أنفق جاهك فإنّه بحمد الله عريض، وإذا جدت بالمال فجد أيضا بالجاه، فإنّهما أخوان.
سرّحني رسولا إلى صاحب البطائح أو إلى أبي السؤل الكرديّ أو إلى غيره ممّن هو في الجبال، هذا إن لم تؤهّلني برسالة إلى سعد المعالميّ بأطراف الشام، وإلى البصرة، فإني أبلغ في تحمّل ما أحمل، وأداء ما أؤدّي، وتزيين ما أزيّن، حدّا أملك به الحمد، وأعرف فيه بالنّصيحة وأستوفي فيه على الغاية دع هذا، ودع لي ألف درهم، فإني أتّخذ رأس مال، وأشارك بقّال المحلّة في درب الحاجب، ولا أقلّ من ذا، تقدّم إلى كسج البقّال، حتّى يستعين بي لأبيع الدّفاتر. قلت: الوزير مشغول. فما أصنع به إذا فرغ، فالشاعر يقول:
«تناط بك الآمال ما اتّصل الشّغل» قد والله نسيت صدر هذا البيت، وما بال غيري ينوّله ويموّله مع شغله، وأحرم أنا؟! أنا كما قال:
وبرق أضاء الأرض شرقا ومغربا ... وموضع رجلي منه أسود مظلم