«فإن رأى أن ينظر نظر راحم متعطّف، إلى نادم متلّهف، ويجهل العفو عن فرطته وكفرانه، صدقة عن بسطته وسلطانه، فأجدر الناس بالاغتفار أقدرهم على الانتصار، فعل- إن شاء الله تعالى-» .
وله مكاتبات واسعة بينه وبين رجل من أهل المراغة يقال له: محمد بن إبراهيم، من أهل (سرّ من رأى) وفي الجملة، الفضل في الناس مبثوث، وهم منه على جدود «١» ، والمرذول هو العاري من لبوسه، المتردّد بين تخلّفه ونقصه.
قال: فكيف يتمّ له ما هو فيه مع هذه الصفات التي تذكرها؟
قلت: والله لو أنّ عجوزا بلهاء، أو أمة ورهاء «٢» أقيمت مقامه، لكانت الأمور على هذا السياق.
قال: وكيف ذاك؟
قلت: قد أمن أن يقال له: لم فعلت، ولم لم تفعل؟ وهذا باب لا يتّفق لأحد من خدم الملوك إلّا بجدّ سعيد، ولقد نصح صاحبه الهرويّ في أموال تاوية «٣» ، وأمور من النظر عارية، فقذف بالرّقعة إليه حتى عرف ما فيها، ثم قتل الرافع خنقا. هذا وهو يدين بالوعيد، وله نظائر، ولنظائره نظائر، ولكن ليس له ناظر، ولا فيه مناظر. وقال لي الثقة من أصحابه: ربّما شرع في أمر يحكم فيه بالخطأ فيقلبه جدّه صوابا، حتى كأنّه عن وحي، وأسرار الله في خلقه عند الارتفاع والانحطاط خفيّة في أستار الغيب، لا يهتدي إليها ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا وليّ مهذّب، ولو جرت الأمور على موضوع الرأي وقضيّة العقل، لكان معلّما في مصطبة على شارع، أو في دار لتان «٤» ، فإنّه يخرّج الإنسان بتفيهقه وتشادقه، واستحقاره واستكباره، وإعادته وإبدائه، وهذه أشكال تعجب الصبيان ولا تنفّرهم من المعلّمين، ويكون فرحهم بها سببا للملازمة والحرص على التعلّم والحفظ والرواية والدراسة.
قال: هذا قدر كاف إلى أن تبيّض الرسالة، هات ملحة الوداع.
قلت: قال أبو العيناء: قال أبو دعلج: قال المهديّ: بايع، قلت: أبايعكم [علام؟ قال] : على ما بويع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم صفّين. قال كردين أبو سيّار المسمعيّ: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يدرك صفّين، إنما كانت صفّين بين عليّ ومعاوية.
فقال درست بن رباط الفقيميّ أبو شعيب: قد علم الأمير هذا، ولكن أحبّ التسهيل على الناس، وانصرفت.