للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أغلب الأمور، إلا إذا أراد عدم وجود تلك الأسباب، وحينما اكتشف علماء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أن الكون يسيره قانون العلة والمعلول، طار الفرح بمفكري الملاحدة وظنوا أنهم وجدوا ضالتهم المنشودة في التدليل على عدم وجود الله تعالى؛ لأن كل الأشياء ناتجة عن علة ومعلول، فلا ضرورة حينئذٍ إلى القول بوجود إله موجد؛ لأن جميع ما يجري في هذا الكون إنما يحدث بسبب علل مادية دون تدخل خارجي، غير وجود العلة والمعلول التي تغني عندهم عن القول بوجود الله -عز وجل-، وهو ما يسميه بعض الباحثين التفسير الميكانيكي للكون.

ومن الطريف أن العلماء الذين اكتشفوا هذا القانون لم يزعموا أنه بديل عن الله تعالى، بل صرحوا بأن هذا القانون هو سنة الله في خلقه، أن يجري الأمور بواسطة أسباب وعلل، فقد قال "إسحاق نيوتن" مكتشف هذا القانون: "هذا هو أسلوب الله في العمل، فالله يجري مشيئته في الكون بواسطة أسباب وعلل"، ولكن الملاحدة جعلوا هذا ضمن أدلتهم على تقوية إلحادهم، وأنى لهم أن يكون هذا الاكتشاف دليلًا على عدم وجود الإله الخالق، الذي قدر الأسباب وضرب الآجال وفق سننه في هذا الكون التي هي أوضح من الشمس، لولا عنادهم واستكبارهم، وقد أشار الله -عز وجل- إلى هذا كثيرًا في القرآن الكريم. مثلًا حينما أمرت السيدة مريم العذراء أن تهز النخلة وهي في حالة تمام الإعياء والتعب في وقت الولادة؛ ليفهم الناس أن الله تعالى يجري الأمور بأسبابها.

وقد اعترف الملاحدة بعد طول جدل بأن قانون التعليل ليس حقيقة مطلقة، بالمفهوم الذي افترضوه في القرن التاسع عشر، بل لقد قرروا أخيرًا أن نظام العالم لا يخضع لقانون العلة والمعلول الناتج عن الصدفة المحضة، وإنما هناك عقل ذو وعي يدبر شؤون العالم بالإرادة، قد كان ساعدًا عند الجهال في القرون الأولى أن

<<  <   >  >>