حتى الذي في الرحم لم يك صورة ... لفؤاده من خوفه خفقان
وزعم بعض المتعقبين أن الذي كثر هذا الباب أبو تمام، وتبعه الناس بعد، وأين أبو تمام مما نحن فيه؟ فإذا صرت إلى أبي الطيب صرت إلى أكثر الناس غلواً، وأبعدهم فيه همة، حتى لو قدر ما أخلي منه بيتاً واحداً، وحتى تبلغ به الحال إلى ما هو عنه غنى، واه في غيره مندوحة، كقوله:
يترشفن من فمي رشفات ... هن فيه أحلى من التوحيد
وإن كان له في هذا تأويل ومخرج يجعله التوحيد غاية المثل في الحلاوة بفيه.
وقوله:
لو كان ذو القرنين أعمل رأيه ... لما أتى الظلمات صرن شموسا
أو كان صادف رأس عازر سيفه ... في يوم معركة لأعيا عيسى
أو كان لج البحر مثل يمينه ... ما انشق حتى جاز فيه موسى
فما دعاه إلى هذا وفي الكلام عوض من بلا تعلق عليه؟ فكيف إذا قال:
كأني دحوت الأرض من خبرتي به ... كأني بني الإسكندر السد من عزمي
فشبه نفسه بالخالق، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ثم انحط إلى الإسكندر، وربما أفسد أبو الطيب إغراقه هكذا ونقص منه بما يظنه إصلاحاً له وزيادة فيه، نحو قوله يصف شعره:
إذا قلته لم يمتنع من وصوله ... جدار معلى أو خباء مطنب
فما وجه الخباء المطنب بعد الجدار المنيف؟ بينا هو في الثريا صار في الثرى! وإنما أراد الحاضرة والبادية، وكذلك قوله:
تصد الرياح الهوج عنها مخافة ... ويفزع منها الطير أن يلقط الحبا