وبأنه محمود السير، حسن السياسة، لطيف الحس، فإن أضاف ذلك إلى البلاغة، والخط، والتفنن في العلم؛ كان غاية.
وأفضل ما مدح به القائد: الجود، والشجاعة، وما تفرغ منهما، نحو التخرق في الهيئات، والإفراط في النجدة، وسرعة البطش، وما شاكل ذلك.
ويمدح القاضي بما ناسب العدل والإنصاف، وتقريب البعيد في الحق، وتبعيد القريب، والأخذ للضعيف من القوي، والمساواة بين الفقير والغني، وانبساط الوجه، ولين الجانب، وقلة المبالاة في إقامة الحدود واستخراج الحقوق، فإن زاد إلى ذلك ذكر الورع، والتحرج، وما شاكلهما، فقد بلغ النهاية.
وصفات القاضي كلها لائقة بصاحب المظالم، ومن دون هذه الثلاث الطبقات سوى طبقة الملك فلا أرى لمدحه وجهاً، فإن دعت إلى ذلك ضرورة مدح كل إنسان بالفضل في صناعته، والمعرفة بطريقته التي هو فيها، وأكثر ما يعول عن الفضائل النفسية التي ذكرها قدامة، فإن أضيف إليها فضائل عرضية أو جسمية: كالجمال، والأبهة، وبسطة الخلق، وسعة الدنيا، وكثرة العشيرة؛ كان ذلك جيداً، إلا أن قدامة قد أبى منه، وأنكره جملة، وليس ذلك صواباً، وإنما الواجب عليه أن يقول: إن المدح بالفضائل النفيسة أشرف وأصح، فأما إنكار ما سواها كرة واحدة فما أظن أحداً يساعده فيه، ولا يوافقه عليه.
وقد كره الحذاق أن تمدح الملوك بما ناسب قول موسى شهوات وروى لغيره: