قال أبو علي: فأما المحدثون فهم على غير هذه الطريقة أميل، ومذهبهم في الرثاء أمثل، في هذا وقبله، وربما جروا على سنن من قبلهم إقتداء بهم وأخذاً بسنتهم كالذي صنع أبو أيوب في رثائه أبا البيداء الأعرابي وخلف بن حيان الأحمر ومرائيه فيهما وقافية مشهورات: إحداهن قوله:
لا تئل العصم في الهضاب ولا ... شغواء تغذو فرخين في لجف
والثانية قوله: لو كان حي وائلا من التلف والثالثة قوله في أبي البيداء:
هل مخطئ يومه عفر بشاهقة ... ترعى بأخيافها شثاً وطباقا
وكما صنع ابن المعتز يرثي أباه بالقصيدة اللامية المقيدة في الرمل:
رب حتف بين أثناء الأمل ... وحياة المرء ظل منتقل
وهي أيضاً معروفة، ولولا اشتهار هذه القصائد، ووجودها، وخيفة التطويل بها؛ لأثبتها في هذا الموضع.
وليس من عادة الشعراء أن يقدموا قبل الرثاء نسيباً كما يصنعون ذلك في المدح والهجاء، وقال ابن الكلبي وكان علامة: لا أعلم مرثية أولها نسيب إلا قصيدة دريد بن الصمة:
أرث جديد الحبل من أم معبد ... بعافية وأخلفت كل موعد؟
وعن علي بن سليمان، عن أبي العباس الأحول، وأن القصيدة التي لأبي قحافة أعشى باهلة، إنما هي لابنة المنتشر، واسمها الدعجاء.
قال: وقال علي بن سليمان: حدثني أبي أن أولها.
هاج الفؤاد على عرفانه الذكر ... وذكر خودٍ على الأيام ما يذر
قد كنت أذكرها والدار جامعة ... والدهر فيه هلاك الناس والشجر