للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هكذا أنشده النحاس والذي أعرف " وذكر ميت " وأعرف أيضاً " والدهر فيه هلاك الناس والغير " كذلك أنشدنيه الموصلي في الأغاني، ثم عطف النحاس فقال: هذان البيتان لا يعرفان في أول هذه القصيدة؛ ومما يزيد الاسترابة بهما أن المتعارف عند أهل اللغة أنه ليس للعرب في الجاهلية مرثية أولها تشبيب إلا قصيدة دريد، وأنا أقول: إنه الواجب في الجاهلية والإسلام، وإلى وقتنا هذا، ومن بعده؛ لأن الآخذ في الرثاء يجب أن يكون مشغولاً عن التشبيب بما هو فيه من الحسرة والاهتمام بالمصيبة؛ وإنما تغزل دريد بعد قتل أخيه بسنة، وحين أخذ ثأره، وأدرك طلبته. وربما قال الشاعر في مقدمة الرثاء " تركت كذا " أو " كبرت عن كذا " وهو في ذلك كله يتغزل ويصف أحوال النساء، وكان الكميت ركاباً لهذه الطريقة في أكثر شعره؛ فأما ابن مقبل فمن جفاء أعرابيته أنه رثى عثمان بن عفان رضي الله عنه بقصيدة حسنة أتى فيها على ما في النفس، ثم عطف وقال:

فدع ذا، ولكن علقت حبل عاشق ... لإحدى شعاب الحين والقتل أريب

ولم تنسني قتلى قريش ظعائناً ... تحملن حتى كادت الشمس تغرب

يطفن بغريد يعلل ذا الصبا ... إذا رام أركوب الغواية أركب

من الهيف مبدان ترى نطفاتها ... بمهلكة أخراصهن تذبذب

والنسيب في أول القصيدة على مذهب دريد خير مما ختم به هذا الجلف، على تقدمه في الصناعة، إلا أن تكون الرواية " ظعائن " بالرفع.

ومما عيب على الكميت في الرثاء قوله في ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وبورك قبر أنت فيه، وبوركت ... به وله أهل بذلك يثرب

لقد غيبوا براً وحزماً ونائلاً ... عشية واراه الضريح المنصب

<<  <  ج: ص:  >  >>