للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو زرعة عن بعض الشيوخ الذين جرحهم غيره (١). ورواية أبي زرعة عن مثل هؤلاء لا تعني أنه يروى عن الضعفاء، بل شأنه شأن الأئمة من المحدثين الحفاظ. قال الحافظ ابن رجب عند كلامه عن رواية أحمد عن الضعفاء: "والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين والذين كثر خطؤهم للغفلة وسوء الحفظ، ويحدث عمن دونهم في الضعف مثل من في حفظه شيء، ويختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه. وكذلك كان أبوزرعة يفعل" (٢)، وهذه بعض أقوال الأئمة الحفاظ التي تكشف لنا عن منهجهم في الرواية عن بعض المتكلم فيهم ودوافعهم في ذلك.

روى الحاكم بسنده إلى أحمد بن حنبل أنه قال: "إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشدّدنا، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لايضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد" (٣).

وروي العقيلي بإسناد له عن الثورى أنه قال: "إني لأروي الحديث على ثلائة أوجه: أسمع الحديث من الرجل أتخذه ديناً، وأسمع الحديث من الرجل أوقف حديثه، وأسمع الحديث من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته" (٤) وقال سليمان بن أحمد الدمشقي: "قلت لعبد الرحمن بن مهدي أكتب عمن يغلط في عشرة؟ قال: نعم. قيل له: يغلط في عشرين؟ قال: نعم. قلت: فثلاثين؟ قال: نعم. قلت: فخمسين؟ قال: نعم" (٥). وسأله أيضاً: "أكتب


(١) انظر مثلا: الجرح والتعديل ج ٣/ ق ٢/ ١٨٩ محمد بن إسماعيل الجعفري، وج ٣/ ق ٢/ ٥٠، غسان بن مالك السلمي، وج ٢/ ق ٢/ ٢٩٨ عبد الرحمن بن هانئ النخعي، وتاريخ بغداد ج ٩ ص ٤٧٥.
(٢) انظر: شرح العلل لابن رجب ص ١١٣.
(٣) انظر: المدخل في أصول الحديث للحاكم النيسابوري ص ٤ وروى بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي نحو هذا.
(٤) انظر: الضعفاء للعقيلي ورقة (٢ - ب-) وشرح العلل لابن رجب ص ١٠٩.
(٥) انظر: الجرح والتعديل ج ١/ ق ١/ ٢٨.