للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن هذه الدهياء والمصيبة الصماء وعن شيء من أسبابها ومردودها في المجتمع المسلم وبين صفوف الرواة والفقهاء.

كان القاضي أحمد بن أبي داود ممن نشأ في العلم، وتضلع بعلم الكلام، وصحب فيه هياج بن العلاء السلمي، صاحب واصل بن عطاء أحد رؤوس المعتزلة، وكان معظما عند المأمون أمير المؤمنين، يقبل شفاعاته، ويصغي إلى كلامه، وأخباره في هذا كثيرة. قدس ابن أبي داود (١) القول بخلق القرآن، وحسنه عنده، وصيره يعتقده حقاً مبيناً، إلى أن أجمع رأيه في سنة ثمان عشرة ومائتين على الدعاء إليه، فكتب إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي، ابن عم طاهر بن الحسين، في امتحان العلماء كتاباً ضمنه بعض اعتقاده وتحريضه على جمع القضاة والمحدثين والفقهاء وامتحانهم بخلق القرآن وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق … قال الحافظ الذهبي: "وفي سنة (٢١٨) امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن، وكتب في ذلك إلى نائبه ببغداد- إذ كان هو في الرقة- وبالغ في ذلك، وقام في هذه البدعة قيام معتقد بها، فأجاب أكثر العلماء على سبيل الإكراه، وتوقف طائفة، ثم أجابوا وناظروا، فلم يلتفت إلى قولهم، وعظمت المصيبة وهدد على ذلك بالقتل" (٢).

وكتب المأمون إليه أيضاً في أشخاص سبعة أنفس وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، ويحى بن معين، وأبو خيثمة، وأبو مسلم، مستملي يزيد بن هارون، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدورقي. فأشخصوا إليه، فامتحنهم بخلق القرآن، فأجابوه، فردهم من الرقة إلى بغداد وسبب طلبهم أنهم توقفوا أولاً، ثم أجابوه تقية. وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بأن يحضر الفقهاء ومشايخ الحديث، ويخبرهم بما أجاب به


(١) أحمد بن أبي داود القاضي جهمي بغيض هلك سنة ٢٤٥ هـ، ولي القضاء للمعتصم والواثق وكان موصوفا بالجود وحسن الخلق ووفور الأدب غير إنه أعلن الجهمية وحمل الناس على امتحان الناس بخلق القرآن قال الذهبي: "قل ما روى"، وانظر ترجمته في: تاريخ بغداد ج ٤/ وميزان الاعتدال ج ٧/ ٩٧، ولسان الميزان ج ١/ ١٧١.
(٢) انظر: العبر ج/٣٧٢.