للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استماع الإمام أحمد لكلام المحاسبي:

قال الحافظ ابن حجر: "روى الخطيب بسند صحيح إن الإمام أحمد سمع كلام المحاسبي فقال لبعض أصحابه ما سمعت في الحقائق مثل كلام هذا الرجل ولا أرى لك صحبتهم قلت- القائل ابن حجر- إنما نهاه عن صحبتهم لعلمه بقصوره عن مقامهم فإنه في مقام ضيق لا يسلكه كل أحد ويخاف على من يسلكه أن لا يوفيه حقه" (١) وقال الحافظ ابن كثير بعد أن ذكر هذه الحكاية: "قال البيهقي: يحتمل أن أحمد كره له صحبتهم لأن الحارث بن أسد وإن كان زاهداً فإنه كان عنده شيء من علم الكلام، وكان أحمد يكره ذلك أو كره صحبتهم من أجل أنه لا يطيق سلوك طريقتهم وما هم عليه من الزهد والورع قلت - القائل ابن كثير-: بل إنما كره ذلك لأن في كلامهم من التقشف وشدة السلوك التي لم يرد بها الشرع، والتدقيق والمحاسبة الدقيقة البليغة: ما لم يأت بها أمر. ولهذا لما وقف أبو زرعة الرازي على كتاب الحارث المسمى بـ "الرعاية" قال: هذا بدعة ثم قال للرجل الذي جاء بالكتاب: عليك بما كان عليه مالك والثوري والأوزاعي والليث، ودع عنك هذا فإنه بدعة" (٢). ومن هذا يتبين لنا إن أبا زرعة الرازي قد وقف على كتاب الرعاية للمحاسبي واطلع على ما فيه ومن ثم ذم فكرة ومنهج المحاسبي، ولا شك أن تحذير الإمام وتنفيره من المحاسبي علم به أبو زرعة لذا حذر السائل حينما سأله عن الحارث وكتبه وصدق في جوابه فإن علم الأثر هو الصحيح وهو الذي يرضي الله سبحانه وتعالى وبه أوصى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكذا الصحابة والتابعون وبوصيتهم التزم الأئمة الزهاد الذين سلكوا طريق الاستقامة وأقوالهم مبثوثة معلومة في كتب التاريخ والسير وهذه بعض النماذج من أقوالهم:

روى الخطيب بسنده إلى أبي القاسم الجنيد بن محمد البغدادي إنه قال غير


(١) انظر: تهذيب التهذيب ج ٢/ ١٣٦، وانظر حول استماع الإمام أحمد أيضاً في: تاريخ بغداد ج ٨/ ٢١٤ - ٢١٥، وميزان الاعتدال ج ١/ ٤٣٠؛ ومناقب الإمام أحمد ص ١٨٥ - ١٨٦، وأشار إليها في تلبيس إبليس لابن الجوزي ص ١٦١ وطبقات الشافعية ج ٢/ ٢٧٩، والبداية والنهاية لابن كثير ج ١٠/ ٣٣٠.
(٢) انظر تاريخ البداية والنهاية ج ١٠/ ٣٣٠ في ترجمة الإمام أحمد.