للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَسْمَلَةِ، وَكَذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ هَلْ هِيَ آيَةٌ مَنْ كُلِّ سُورَةٍ١، أَوْ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ٢، أَوْ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ٣، أَوْ لَيْسَتْ بِآيَةٍ٤، وَلَا هِيَ مِنَ الْقُرْآنِ٥، وَأَطَالُوا الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ. وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فَجَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَسَائِلِ الِاعْتِقَادِ وَذَكَرَهَا في مسائل أصول الدين.

الحق أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ لِوُجُودِهَا فِي رَسْمِ الْمَصَاحِفِ، وَذَلِكَ هُوَ الرَّكْنُ الْأَعْظَمُ فِي إِثْبَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ لِلْقُرْآنِ، ثُمَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى ثُبُوتِهَا خطأ في المصحف في أوائل السور، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ كَوْنَهَا قُرْآنًا مِنَ الْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ.

وَبِهَذَا الْإِجْمَاعِ حَصَلَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ النَّقْلُ، مَعَ كَوْنِهِ نَقْلًا إِجْمَاعِيًّا بَيْنَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ.

وَأَمَّا الرُّكْنُ الثالث: وهو موافقها للوجه الإعرابي والمعنى فَذَلِكَ ظَاهِرٌ.

إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ نَفْيَ كَوْنِهَا مِنَ الْقُرْآنِ مَعَ تَسْلِيمِ وَجُودِهَا فِي الرَّسْمِ مُجَرَّدُ دَعْوَى غَيْرِ مَقْبُولَةٍ. وَكَذَلِكَ دَعْوَى كَوْنِهَا آيَةً وَاحِدَةً، أَوْ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ، مَعَ تَسْلِيمِ وُجُودِهَا فِي الرَّسْمِ في أول كل سورة، فإنها دعوى مجرد عَنْ دَلِيلٍ مَقْبُولٍ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ.

وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنَ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا تُقْرَأُ٦ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تُقْرَأُ٧، وَعَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِهَا تُقْرَأُ هَلْ يُسَرُّ بِهَا مُطْلَقًا٨ أَوْ تكون على صفة ما يقرأ مِنَ الْإِسْرَارِ فِي السِّرِّيَّةِ، وَالْجَهْرِ فِي الْجَهْرِيَّةِ٩، فلا يَخْفَاكَ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ١٠، وَذَكَرْنَا فِي "شَرْحِ الْمُنْتَقَى"١١ مَا إِذَا رجعت إليه تحتج إلى غيره.


١ وهو مذهب عبد الله بن المبارك.
٢ وهو مذهب الإمام الشافعي.
٣ وهو مذهب الإمام أبي حنيفة.
٤ وهو مذهب الإمام مالك.
٥ وهو مذهب الحسن البصري. ا. هـ. القرطبي عند تفسير الفاتحة "بسم الله الرحمن الرحيم".
٦ وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
٧ وهو مذهب الإمام مالك وفي بعض أقواله أنها تقرأ في النفل.
٨ وهو قول أبي حنيفة وأحمد بن حنبل.
٩ وهو قول غير أبي حنيفة وأحمد. ا. هـ. القرطبي عند ذكر أحكام البسملة.
١٠ واسمها: "الرسالة المكملة في أدلة البسملة" ا. هـ. إيضاح المكنون "١/ ٥٦٩"، البدر الطالع "٢/ ٢٢١".
١١ واسمه: "نيل الأوطار بشرح المنتقى في الأخبار"، للشوكاني محمد بن علي، وهو في مجلدات، مطبوع في مصر، وهو في إبطال دعوى الإجماع. ا. هـ. ذيل كشف الظنون "٢/ ٦٩٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>