أَقْسَامُ الْمَفْهُومِ:
وَالْمَفْهُومُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَفْهُومِ مُوَافَقَةٍ، وَمَفْهُومِ مُخَالَفَةٍ.
فَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ: حَيْثُ يَكُونُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ مُوَافِقًا لِلْمَلْفُوظِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنَ الْمَنْطُوقِ بِهِ فَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ، وإن كان مساويا فَيُسَمَّى لَحْنَ الْخِطَابِ.
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الفرق بين فحوى الخطاب، ولحن الْخِطَابِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ الْفَحْوَى مَا نَبَّهَ عليه اللفظ، واللحن مَا لَاحَ فِي "أَثْنَاءِ"* اللَّفْظِ.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ الْفَحْوَى مَا دَلَّ عَلَى مَا هُوَ أَقْوَى منه، واللحن مَا دَلَّ عَلَى مِثْلِهِ.
وَقَالَ الْقَفَّالُ: إِنَّ فَحْوَى الْخِطَابِ مَا دَلَّ الْمُظْهَرُ عَلَى الْمُسْقَطِ، واللحن مَا يَكُونُ مُحَالًا عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا.
وَقَدْ شَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى مِنَ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ نَقَلَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ فِي "الْبُرْهَانِ" عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، وَنَقَلَهُ الْهِنْدِيُّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ.
وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ، وَفَخْرُ الدِّينِ الرَّازِي، وَأَتْبَاعُهُمَا، فَقَدْ جَعَلُوهُ قِسْمَيْنِ: تَارَةً يَكُونُ أَوْلَى، وَتَارَةً يَكُونُ مُسَاوِيًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، فَجَعَلُوا شَرْطَهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ أَقَلَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ مِنَ الْمَعْنَى الْمَنْطُوقِ بِهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، هَلْ هِيَ لَفْظِيَّةٌ أَوْ قِيَاسِيَّةٌ عَلَى قَوْلَيْنِ، حَكَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأَمْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَنَقَلَهُ الْهِنْدِيُّ فِي "النِّهَايَةِ" عَنِ الْأَكْثَرِينَ.
قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ جُلَّةٌ سَيِّدُهُمُ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي "شَرْحِ اللُّمَعِ": إِنَّهُ الصَّحِيحُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ، فذكره في أنواع القياس.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".