الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّخْصِيصِ بِالسِّيَاقِ
قَدْ تَرَدَّدَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، وَأَطْلَقَ الصَّيْرَفِيُّ جَوَازَ التَّخْصِيصِ بِهِ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} ١ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي "الرِّسَالَةِ" يَقْتَضِيهِ، فَإِنَّهُ بَوَّبَ لِذَلِكَ بَابًا فَقَالَ: بَابُ الصِّنف الَّذِي قَدْ بَيَّنَ سِيَاقُهُ مَعْنَاهُ، وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْر} ٢ قَالَ: فَإِنَّ السِّيَاقَ أَرْشَدَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْت} ٣.
قال الشيخ تقي الدين ابن دَقِيقِ الْعِيدِ، فِي "شَرْحِ الْإِلْمَامِ": نَصَّ بَعْضُ الْأَكَابِرِ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْعُمُومَ يُخَصُّ بِالْقَرَائِنِ الْقَاضِيَةِ بِالتَّخْصِيصِ، قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ مُخَاطَبَاتُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَيْثُ يَقْطَعُونَ فِي بَعْضِ الْمُخَاطَبَاتِ بِعَدَمِ الْعُمُومِ، بِنَاءً عَلَى الْقَرِينَةِ، وَالشَّرْعُ يُخَاطِبُ النَّاسَ بِحَسَبِ تَعَارُفِهِمْ. قَالَ: وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ التَّخْصِيصُ بِالْقَرَائِنِ بِالتَّخْصِيصِ بِالسَّبَبِ، كَمَا اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِالسَّبَبِ غَيْرُ مُخْتَارٍ، فَإِنَّ السَّبَبَ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُورَدَ لَفْظُ عَامٍّ يَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ كَمَا فِي "قَوْلِهِ تَعَالَى"*: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ٤ ولا
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute