المسألة التاسعة عشرة: عُمُومِ الْمَفْهُومِ
اخْتَلَفُوا فِي الْمَفْهُومِ هَلْ لَهُ عموم أم لَا؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ لَهُ عُمُومًا، وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْغَزَالِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ عُمُومًا وَيَتَمَسَّكُ بِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ، وَالْمَفْهُومَ لَيْسَتْ دَلَالَتُهُ لَفْظِيَّةً فَإِذَا قَالَ "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ" ١، فَنَفْيُ الزَّكَاةِ عَنِ الْمَعْلُوفَةِ لَيْسَ بِلَفْظٍ حَتَّى يَعُمَّ أَوْ يَخُصَّ.
وَرَدَّ ذَلِكَ صَاحِبُ "الْمَحْصُولِ" فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا تُسَمِّيهِ عُمُومًا لِأَنَّكَ لَا تُطْلِقُ لَفْظَ الْعَامِّ إِلَّا عَلَى الْأَلْفَاظِ، فَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ هَلْ لَهُ عُمُومٌ أَمْ لَا "فرع على أن المفهوم حجة أَمْ لَا؟ "*، وَمَتَى ثَبَتَ كَوْنُ الْمَفْهُومِ حُجَّةً لَزِمَ الْقَطْعُ بِانْتِفَائِهِ عَمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ. انْتَهَى.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ إِنَّمَا خَالَفَ فِي التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ إِنَّمَا وُضِعَ لِلَّفْظِ لَا لِلْمَعْنَى.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إِنَّمَا أَرَادَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْعُمُومَ لَمْ يَثْبُتْ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ فَقَطْ، بَلْ بِوَاسِطَتِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَالَ: الْخِلَافُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قَالَ الْإِبْيَارِيُّ فِي "شَرْحِ الْبُرْهَانِ"٢: أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ لِلْمَفْهُومِ عُمُومًا مُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ لَهُ "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ" فَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ لَا زَكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ، وَهُوَ وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَكَانَ عَامًّا فِي الْمَقْصُودِ، أَمَّا إِذَا وَجَدْنَا صُورَةً مِنْ صُوَرِ الْمَفْهُومِ مُوَافِقَةً لِلْمَنْطُوقِ بِهِ، فَهَلْ نَقُولُ بَطَلَ الْمَفْهُومُ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا يُتَمَسَّكَ بِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصُّورَةِ، أَوْ نَقُولُ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ.
قَالَ: وَالْأَشْبَهُ بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُسْتَنَدَ الْمَفْهُومِ مَاذَا؟ هَلْ هُوَ الْبَحْثُ عَنْ فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ؛ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُمُومٌ، وَإِنْ قُلْنَا استناده إلى عرف لغوي فصحيح،
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute