للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة السادسة: في النَّسْخُ إِلَى بَدَلٍ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ

...

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: النَّسْخُ إِلَى بَدَلٍ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ

الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مِثْلَ الْمَنْسُوخِ فِي التَّخْفِيفِ وَالتَّغْلِيظِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَذَلِكَ كَنَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ١.

الثَّانِي: نَسْخُ الْأَغْلَظِ بِالْأَخَفِّ، وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَذَلِكَ كَنَسْخِ الْعِدَّةِ حَوْلًا بِالْعِدَّةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا٢.

الثَّالِثُ: نَسْخُ الْأَخَفِّ إِلَى الْأَغْلَظِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِهِ، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ.

وَالْحَقُّ: الْجَوَازُ وَالْوُقُوعُ كَمَا فِي نَسْخِ وَضْعِ الْقِتَالِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِفَرْضِهِ بَعْدَ ذَلِكَ٣، وَنَسْخِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ بِفَرْضِيَّةِ الصَّوْمِ٤، ونسخ تحليل الخمر بتحريمها٥، ونسخ


١ وذلك بما ورد من حديث البراء بن عازب قال: لما قدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشرة شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله جل وعلا: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ... الحديث. أخرجه البخاري كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان ٣٩٩. ومسلم، كتاب المساجد، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة ٥٢٥. والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في ابتداء القبلة ٣٤٠. وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب القبلة ١٠١٠. والنسائي، كتاب القبلة، باب استقبال القبلة ٢/ ٦٠. وابن حبان في صحيحه ١٧١٦. والبغوي في شرح السنة ٤٤٤.
٢ وذلك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] .
نسخت قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: ٢٤٠] .
٣ وذلك بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] .
٤ وذلك بما أخرجه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع بلفظ: "لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد منا أن يفطر أفطر وافتدى حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها". كتاب التفسير، باب: من شهد منكم الشهر فليصمه، ٤٥٠٦. ومسلم كتاب الصوم باب بيان نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ١١٤٥. وأبو داود، كتاب الصوم، باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ٢٣١٥. والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} ٧٩٨. والنسائي، كتاب الصوم، باب تأويل قول الله عز وجل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ٤/ ١٩٠. والبيهقي كتاب الصيام، باب ما كان عليه حال الصيام ٤/ ٢٠٠، وابن حبان في صحيحه ٣٤٧٨.
٥ وكان ذلك على التدريج لأنهم كانوا مولعين بشربها فالدرجة الأولى لبيان إثمه جاء قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} فتركها بعضهم وقال: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير.
والدرجة الثانية جاء قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فتركها بعضهم وقال: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة. والدرجة الثالثة جاء قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} فصارت حراما عليهم حتى صار يقول بعضهم: ما حرم الله شيئًا أشد من الخمر ا. هـ تفسير القرطبي ٦/ ٢٨٦ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>