[الفصل الخامس عشر: في حكم إحداث دليل أو تأويل من غير إلغاء الدليل أو التأويل الأول]
...
البحث الخامس عشر: في حكم إحداث دليل أو تأويل من غير إلغاء الدَّلِيلِ أَوِ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ
إِذَا اسْتَدَلَّ أَهْلُ الْعَصْرِ بِدَلِيلٍ وَأَوَّلُوا بِتَأْوِيلٍ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِحْدَاثُ دَلِيلٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ إِلْغَاءِ للأول، أَوْ إِحْدَاثُ تَأْوِيلٍ غَيْرِ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ؟
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ: إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ وَالِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الشَّيْءِ بِكَوْنِهِ كذا، وأما في الِاسْتِدْلَالُ بِالدَّلِيلِ أَوِ الْعَمَلُ بِالتَّأْوِيلِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ عَنْ دِلَالَتِهِمْ، وَيَكُونُ إِجْمَاعًا عَلَى الدَّلِيلِ لَا عَلَى الْحُكْمِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَحْكَامُهَا لَا أَعْيَانُهَا، نَعَمْ إِنْ أَجْمَعُوا عَلَى إِنْكَارِ الدَّلِيلِ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ إِحْدَاثُهُ لِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى الْوَقْفِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إِلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ النَّصِّ فَيَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ، "وَذَهَبَ ابْنُ بُرْهَانٍ إِلَى تَفْصِيلٍ آخَرَ بَيْنَ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ فَلَا يَجُوزُ"* إِحْدَاثُهُ وَبَيْنَ الْخَفِيِّ فَيَجُوزُ، لِجَوَازِ اشْتِبَاهِهِ عَلَى الْأَوَّلِينَ.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صِحَّةِ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ إِبْطَالُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ: إِلَّا أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ إِلَّا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَيَمْتَنِعَ.
وَأَمَّا إِذَا عَلَّلُوا الْحُكْمَ بِعِلَّةٍ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُعَلِّلَهُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى؟ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيُّ: هِيَ كَالدَّلِيلِ فِي جَوَازِ إِحْدَاثِهَا، إِلَّا إِذَا قَالُوا: لَا عِلَّةَ إِلَّا هَذِهِ، أَوْ تَكُونُ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ مُخَالِفَةً لِلْعِلَّةِ الْأُوْلَى فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ فَتَكُونُ حينئذ الثانية فاسدة
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute