الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِيمَا يَنْبَغِي لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْمَلَهُ في اجتهاده ويعتمد عليه
فعيه أَوَّلًا: أَنْ يَنْظُرَ فِي نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ وَجَدَ ذَلِكَ فِيهِمَا قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَخَذَ بِالظَّوَاهِرِ مِنْهُمَا، وَمَا يُسْتَفَادُ بِمَنْطُوقِهِمَا وَمَفْهُومِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَظَرَ في أفعال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ فِي تَقْرِيرَاتِهِ لِبَعْضِ أُمَّتِهِ، ثُمَّ فِي الْإِجْمَاعِ، إِنْ كَانَ يَقُولُ بِحُجِّيَّتِهِ، ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ، عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اجْتِهَادُهُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَسَالِكِ الْعِلَّةِ، كُلًّا أَوْ بَعْضًا١.
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْغَزَالِيُّ: أَنَّهَا إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لِلْمُجْتَهِدِ، فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ، فَإِنْ أَعْوَزَهُ عَرْضُهَا عَلَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، ثُمَّ الْآحَادِ، فَإِنْ أَعْوَزَهُ لَمْ يَخُضْ فِي الْقِيَاسِ، بَلْ يَلْتَفِتُ إِلَى ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدَ ظَاهِرًا نَظَرَ فِي الْمُخَصَّصَاتِ، مِنْ قِيَاسٍ، وَخَبَرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُخَصَّصًا حَكَمَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ظَاهِرٍ، مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، نَظَرَ إِلَى الْمَذَاهِبِ فَإِنْ وَجَدَهَا مُجْمَعًا عَلَيْهَا اتَّبَعَ الْإِجْمَاعَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِجْمَاعًا خَاضَ فِي الْقِيَاسِ، وَيُلَاحِظُ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ أَوَّلًا، وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ، كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ، فَتُقَدَّمُ قَاعِدَةُ الرَّدْعِ عَلَى مُرَاعَاةِ الِاسْمِ، فَإِنْ عَدِمَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً نَظَرَ فِي الْمَنْصُوصِ، وَمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ، فَإِنْ وَجَدَهَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ أَلْحَقَ بِهِ، وَإِلَّا انْحَدَرَ به إلى الْقِيَاسُ، فَإِنْ أَعْوَزَهُ تَمَسَّكَ بِالشَّبَهِ، وَلَا يُعَوِّلُ على طرد. انتهى.
١ انظر البحر المحيط ٦/ ٢٢٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute