للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي التَّقْلِيدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ من أحكام المفتي والمستفتي

[المسألة الأولى: في حد التقليد، والمفتي، والمستفي]

...

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي التَّقْلِيدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ من أحكام المفتي وَالْمُسْتَفْتِي

وَفِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي حَدِّ التَّقْلِيدِ، وَالْمُفْتِي، وَالْمُسْتَفْتِي

أَمَّا التَّقْلِيدُ: فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِلَادَةِ، الَّتِي يُقَلِّدُ غَيْرَهُ بِهَا، وَمِنْهُ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ، فَكَأَنَّ الْمُقَلِّدَ جَعَلَ ذَلِكَ الْحُكْمَ، الَّذِي قَلَّدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدَ كَالْقِلَادَةِ فِي عُنُقِ مَنْ قَلَّدَهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ١.

فَيَخْرُجُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعَمَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَرُجُوعُ الْعَامِّيِّ إِلَى الْمُفْتِي، وَرُجُوعُ الْقَاضِي إِلَى شَهَادَةِ الْعُدُولِ، فَإِنَّهَا قَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ.

أَمَّا الْعَمَلُ بِقَوْلِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِالْإِجْمَاعِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَقْصِدِ السُّنَّةِ، وَفِي مَقْصِدِ الْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا رُجُوعُ الْقَاضِي إِلَى قَوْلِ الشُّهُودِ: فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِنَ الْأَمْرِ بِالشَّهَادَةِ، وَالْعَمَلِ بِهَا، وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا رُجُوعُ الْعَامِّيِّ إِلَى قَوْلِ الْمُفْتِي، فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ.

وَيَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ قَبُولُ رِوَايَةِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّهُ قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِهَا، وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا، وَأَيْضًا: لَيْسَتْ قَوْلَ الرَّاوِي، بَلْ قَوْلَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، إِنْ كَانَ مِمَّنْ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ.

وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي "التَّحْرِيرِ": التَّقْلِيدُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إِحْدَى الْحُجَجِ بِلَا حُجَّةٍ. وَهَذَا الْحَدُّ أَحْسَنُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.

وَقَالَ الْقَفَّالُ: هُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ، وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ قَالَهُ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: هُوَ قَبُولُ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ تَظْهَرُ عَلَى قَوْلِهِ.

وَقِيلَ: هُوَ قَبُولُ قول الْغَيْرِ دُونَ حُجَّتِهِ، أَيْ: حُجَّةِ الْقَوْلِ.

وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هُوَ قَبُولُ رَأْيِ مَنْ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ بِلَا حُجَّةٍ.

وَفَوَائِدُ هَذِهِ القيود معروفة بما تقدم.


١ انظر البحر المحيط ٦/ ٢٧٠ والمستصفى ٢/ ٣٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>