الباب التاسع: فِي النَّسْخِ وَفِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي حَدِّهِ
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْإِبْطَالُ وَالْإِزَالَةُ، وَمِنْهُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ، وَالرِّيحُ آثَارَ الْقَدَمِ، وَمِنْهُ: تَنَاسُخُ الْقُرُونِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْعَسْكَرِيُّ. وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ، وَمِنْهُ نَسَخْتُ الكتاب، أي: نقلته، ومنه قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ١، وَمِنْهُ تَنَاسُخُ الْمَوَارِيثِ٢.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ أَمْ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ؟ فَحَكَى الصَّفِّيُّ الْهِنْدِيُّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْإِزَالَةِ، مَجَازٌ فِي النَّقْلِ.
وَقَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ: إِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي النَّقْلِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالْغَزَالِيُّ: إِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا لَفْظًا، لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي "شَرْحِ الْبُرْهَانِ"٣: إِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيًّا؛ لِأَنَّ بَيْنَ نَسْخِ الشَّمْسِ الظِّلَّ، وَنَسْخِ الْكِتَابِ مِقْدَارًا مُشْتَرِكًا، وَهُوَ الرَّفْعُ، وَهُوَ فِي الظِّلِّ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ زَالَ بِضِدِّهِ، وَفِي نَسْخِ الْكِتَابِ مُتَعَذِّرٌ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْكَلَامَ الْمَنْسُوخَ بِالْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَفَادًا إِلَّا مِنَ الْأَصْلِ، فَكَانَ لِلْأَصْلِ بِالْإِفَادَةِ خُصُوصِيَّةٌ، فَإِذَا "نَسَخْتَ"* الْأَصْلَ ارْتَفَعَتْ تِلْكَ الخصوصية، وارتفاع
* في "أ": نسخ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute