الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: جَوَازُ النَّسْخِ بَعْدَ اعْتِقَادِ الْمَنْسُوخِ وَالْعَمَلِ بِهِ
اعْلَمْ: أَنَّهُ يَجُوزُ النَّسْخُ بَعْدَ اعْتِقَادِ الْمَنْسُوخِ وَالْعَمَلِ بِهِ، بِلَا خِلَافٍ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَسَوَاءٌ عَمِلَ بِهِ كُلُّ النَّاسِ، كَاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ بَعْضُهُمْ، كَفَرْضِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ.
وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي جَوَازِ النَّسْخِ بَعْدَ "التَّمَكُّنِ"* مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَكْلِيفِهِ بِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْضِيَ مِنَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ مَا يَسَعُ الْفِعْلَ.
وَقَدْ حُكي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عَنِ الْكَرْخِيِّ.
وَأَمَّا النَّسْخُ قَبْلَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُعْلِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوُجُوبِ شَيْءٍ عَلَى الْأُمَّةِ، ثُمَّ يَنْسَخُهُ قبل أن يعلموا بِهِ، فَحَكَى السَّمْعَانِيُّ فِي ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَنْعِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا، حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَإِلْكِيَا. انْتَهَى.
وَيَرِدُ عَلَى الْمَنْعِ مَا ثَبَتَ فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ خَمْسِينَ صَلَاةً ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ عَلَى خَمْسٍ١.
وَلَا وَجْهَ لِمَا قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيرِ، دُونَ النَّسْخِ.
قَالَ ابْنُ بَرْهَانَ فِي "الْوَجِيزِ": نَسْخُ الْحُكْمِ قَبْلَ عِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، ومنعت من
* في "أ": التمكين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute