للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: فِي عُمُومِ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً

...

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: فِي عموم نحو قوله تعالى: خذ من أمولهم صدقة

ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة} ١ يَقْتَضِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يُخَصَّ بِدَلِيلٍ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَخْرَجُ هَذِهِ الْآيَةِ عَامٌّ فِي الْأَمْوَالِ، وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضُ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ، فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي بَعْضِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ.

قال فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَوْلَا دَلَالَةُ السُّنَّةِ لَكَانَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا سَوَاءٌ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ فِي جَمِيعِهَا لَا فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ.

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهَا جَمْعٌ مُضَافٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: خُذْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً؛ إِذْ مَعْنَى الْعُمُومِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا: بِمَنْعِ كَوْنِ مَعْنَى الْعُمُومِ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَعُمُّ، بَلْ إِذَا أَخَذَ مِنْ جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً، وَإِلَّا لَزِمَ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مِنْ كُلِّ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَنَحْوِهِمَا، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْجَمْعَ لِتَضْعِيفِ الْمُفْرَدِ، وَالْمُفْرَدُ خُصُوصًا مِثْلَ الْمَالِ وَالْعِلْمِ، وَالْمَالُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُفْرَدُ فَيَكُونُ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ أَوِ الْإِضَافَةِ جَمِيعَ الْأَفْرَادِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ بِالْأَمْوَالِ وَالْعُلُومِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْقَرَائِنِ، وَقَدْ دَلَّ الْعُرْفُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ في مثل {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} الْأَنْوَاعُ لَا الْأَفْرَادُ، وَأَمَّا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أن معنى الجمع


١ جزء من الآية "١٠٣" من سورة التوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>